ما الحد الأدني للأجور في السعودية للأجانب؟ ما أقل راتب للسعودي؟ مثل هذه الأسئلة التي تتردد على ألسنة الكثيرين، تحمل الإجابة عنها تعقيدًا أكثر مما تبدو. فما العلاقة بينها وبين معادلة التوطين، وهل يوجد بالفعل رقم موحد للرواتب لكل فئات المجتمع؟ سنكشف الستار في هذا المقال عن حقيقة الحد الأدنى للأجور في السعودية، وإلى أي مدى يوفر قوة شرائية تليق بطموح الموظف.

أنواع الأجور

تتنوع أنواع الأجور في بيئة العمل لتناسب طبيعة الوظائف المختلفة، ويمنح هذا التنوع المرونة في تحديد “شكل الأجر” (دائم، مقطوع، موسمي، أو جزئي) بما يتوافق مع حاجة المنشأة وظروف العامل، ويوجد أكثر من معيار لتصنيف الأجر، أهمها في سياق نظام العمل السعودي هو التصنيف على أساس نوع العقد:

• أجر مستمر: وهو الذي يترتب على الشكل الأكثر شيوعا للعقود سواء كانت محددة المدة أو غير محددة المدة، ويتميز بالاستقرار والاستمرارية، بالإضافة إلى تمتع العامل بكامل الحقوق المالية، ولا ينقطع إلا لسبب مشروع أقره نظام العمل السعودي.
• أجر مؤقت: هو الأجر الذي يستمر لثلاثة أشهر بحد أقصى، وينص عليه عقد العمل المؤقت، وفي هذا النوع  يعفي صاحب العمل من التبعات المالية طويلة الأمد، حيث لا يستحق العامل مكافأة نهاية الخدمة، مما يجعل الأجر هنا مقابلًا فوريًا للعمل المنجز فقط.
• أجر عرضي: هو الأجر الذي يحصل عليه الموظف لقاء مهام عارضة لا تدخل بطبيعتها في نشاط المنشأة.
• أجر موسمي: هو أجر غير دائم بموجب عقد عمل موسمي، إذ يرتبط بمواسم محددة مثل موسم الحج، وبالتالي يكون الأجر فيها مؤقتًا بانتهاء الموسم.
• أجر جزئي: هو الأجر الذي ينص عليه عقد العمل لبعض الوقت، حيث يحسب المقابل المالي بناء على ساعات عمل تقل عن النصف، سواء يوميًا أو أسبوعيًا.

أما من حيث معيار الأداء وطريقة الدفع، تتعدد أشكال الأجور كما يلي:

• الأجر الزمني: يدفع بناء على الوقت الذي يقضيه العامل (بالساعة، اليوم، أو الشهر)، وهو الأكثر شيوعًا في الوظائف الإدارية والنظامية.
• أجر الإنتاج (بالقطعة): يتحدد بحسب ما ينجزه العامل من وحدات إنتاجية بغض النظر عن الوقت المستغرق، وبالتالي يحفز الإنتاجية الصناعية.
• أجر العمولة: يعتمد على نسبة مئوية من قيمة المبيعات أو الصفقات التي يبرمها الموظف، وعادة ما يدمج مع حد أدنى من الأجر الثابت لضمان مستوى مقبول من الاستقرار المالي للموظف.

هل الحد الأدنى للأجور في السعودية موحد؟

تختلف قيمة الحد الأدنى للأجور في المملكة العربية السعودية باختلاف القطاع الوظيفي وجنسية العامل، حيث يمكن تقسيمه إلى ثلاث فئات رئيسية:

أولًا، فيما يتعلق بالمواطنين السعوديين في القطاع الخاص، تم تحديد الحد الأدنى للأجور بـ 4,000 ريال سعودي شهريًا.  وكانت المملكة قد رفعت هذا الحد من ٣٬٠٠٠ ريال إلى ٤٬٠٠٠ ريال في عام ٢٠٢٠، وجاء هذا الإجراء كجزء أساسي من برنامج “نطاقات” للتوطين، الذي يهدف إلى تشجيع انخراط المواطنين في سوق العمل الخاص، إذ يطبق هذا الحد على الراتب الأساسي للموظف لضمان احتسابه ضمن نسب التوطين، ولا يشمل عادة البدلات أو المزايا الإضافية. 

بعبارة أخرى، أقل راتب للسعودي يجب أن يحصل عليه لكي يُحتسب بوزن “عامل واحد” في نسبة التوطين، هو 4,000 ريال سعودي. أما من يتقاضى أجرًا يقل عن ذلك (بحد أدنى 3,000 ريال)، فيحتسب كـ “نصف عامل” فقط في نسبة التوطين، ولا يحسب من يقل أجره عن 3,000 ريال في النسبة إطلاقًا.

ثانيًا، في القطاع العام (الحكومي)، فتتحدد الرواتب بناء على “سلم رواتب الموظفين العام” واللوائح التنفيذية للموارد البشرية في الخدمة المدنية، حيث يختلف الحد الأدنى باختلاف المرتبة والمؤهل العلمي عند التعيين.

أخيرًا، بالنسبة إلى الحد الأدنى للأجور في السعودية للأجانب، فلا يوجد حاليًا حد أدنى ملزم رسمي للأجور، بل تخضع الرواتب في هذه الفئة للاتفاق الحر بين الطرفين، حيث يحدد الأجر بناء على المناقشات والعقود المبرمة بين الموظف وصاحب العمل، وتلعب عوامل عدة دورًا في تحديد قيمة الراتب، أبرزها المؤهلات العلمية، والخبرة العملية، ومعدلات الرواتب السائدة لنفس الوظيفة في السوق.

أهمية رفع الحد الأدنى للأجور: محرك للاقتصاد واستقرار للمجتمع

أصبح رفع الحد الأدنى للأجور ركيزة أساسية في أي سياسة اقتصادية حديثة، لما لها من أثر فعال في تحقيق التوازن الاجتماعي والنمو الاقتصادي، وتبرز أهمية رفع الحد الأدني للأجور في عدة نقاط حيوية:

• يساهم رفع الأجور بشكل مباشر في تحسين مستوى المعيشة ومحاربة الفقر، فزيادة دخل العمال ذوي الأجور المنخفضة تمنحهم قدرة أكبر على تلبية احتياجاتهم الأساسية، مما يقلل من التفاوت في الدخل. علاوة على ذلك، يؤدي ضخ المزيد من الأموال في جيوب الموظفين إلى زيادة “الدخل المتاح للإنفاق”، وهو ما يحفز القوة الشرائية ويزيد الطلب على السلع والخدمات، وبالتالي ينعكس إيجابًا على النمو الاقتصادي العام.
• أما على مستوى الشركات، تؤدي زيادة الحد الأدنى للأجور إلى تحسين معنويات الموظفين وزيادة إنتاجيتهم، وعندما يشعر العامل بالاستقرار المالي، ينصرف عن فكرة مغادرة الشركة فيقل معدل الدوران الوظيفي، وبالتالي يوفر على أصحاب العمل التكاليف الباهظة المرتبطة بتوظيف وتدريب عمالة جديدة بشكل مستمر.
• يساعد هذا الإجراء في تخفيف العبء عن كاهل الحكومة بشكل غير مباشر؛ فمع ارتفاع دخل المواطنين، يقل اعتمادهم على برامج الرعاية الاجتماعية والمساعدات الحكومية، ويمكّن ذلك من إعادة توجيه الموارد العامة لمجالات تنموية أخرى.

كيف يؤثر رفع الحد الأدنى للأجور على مستوى المعيشة؟

تتجاوز آثار سياسة رفع الحد الأدنى للأجور مجرد الزيادة الرقمية في الدخل لتشمل أبعادًا معيشية وصحية عميقة، وهو ما يفسر كونها أهم الأدوات الاقتصادية والاجتماعية التي تستخدمها الحكومات لتحسين جودة حياة المواطنين، وذلك في المناحي الآتية:

• اقتصاديًا واجتماعيًا:  تشير الدراسات إلى أن رفع الحد الأدنى للأجور للفئات منخفضة الدخل يعمل كمحفز مباشر لتقليص فجوة العدالة الاجتماعية، إذ يمنح الأسر الأشد احتياجًا “دفعة قوية” من السيولة المالية التي تزيد من قوتهم الشرائية، وبالتالي يمكنهم من تلبية احتياجاتهم الأساسية من غذاء وسكن بشكل أفضل، وبدوره يساهم هذا التحسن المادي في انتشال العديد من الأسر من دائرة العوز، وبالتالي يعزز من الكرامة الإنسانية والاستقلالية المالية للمواطنين.
• صحيًا ونفسيًا: تكشف الأبحاث الحديثة عن رابط وثيق بين زيادة الأجور وتحسن الحالة الصحية، فالاستقرار المالي الناتج عن دخل عادل يقلل بشكل كبير من مستويات التوتر والقلق المزمن المرتبطين بتعرض الموظف لضائقة مالية، وعندما يقل القلق المادي، تتحسن الصحة النفسية، ويصبح الموظف أكثر قدرة على اتباع أسلوب حياة صحي، والحصول على رعاية طبية وقائية، وبالتالي ينعكس ذلك إيجابًا على الصحة العامة للمجتمع ويقلل من الأعباء على الأنظمة الصحية.

خلاصة القول، لا يقتصر تأثير رفع الحد الأدنى للأجور في السعودية على الحسابات البنكية، بل هو استثمار في رأس المال البشري يؤدي إلى مجتمع أكثر صحة، استقرارًا، وإنتاجية.