في عام 2001 وبعد رحلة عمل استمرت 22 عامًا في فيدكس، تقاعد مادان بيرلا مدير تصميم نماذج الأنظمة ومدير معهد فيدكس للقيادة عن عمله في الشركة واتجه للعمل مستشار أعمال للعديد من الشركات مختلفة الأحجام. قرر بيرلا بعد تقاعده أن يحكي بعضًا من الدروس التي تعلمها على مدار رحلته المهنية في فيدكس ومن واقع عمله مستشارا بعدها، ووضع خلاصة هذه الخبرة في كتابه “فيدكس: قصة نجاح” الذي حكى فيه كيف حافظت شركة الشحن الرائدة في العالم على الابتكار واستطاعت التفوق على منافسيها منذ ولادتها عام 1973 وحتى مطلع الألفية الثانية، وهي قصة النجاح التي ساهم فيها بنفسه.

استند مادان بيرلا في الكتاب إلى العديد من التجارب، والقصص، والأفكار الملهمة والعملية التي يمكن أن تكون دليلًا لكل منشأة يساعدها على إرساء ثقافة عمل تنمي الابتكار. سنتطرق في هذا المقال إلى أهم الأفكار التي ناقشها المؤلف حول الابتكار وكيف يُزرع في صميم ثقافة المنشأة؟

لماذا فيدكس؟

نمت فيدكس نموًا هائلًا أثناء رحلة الابتكار، إذ كانت أول شركة تتخطى أرباحها مليار دولار في عشر سنوات كنتيجة لنموها الداخلي وليس لاستحواذها على شركات أخرى، وخلال الفترة التي يتحدث عنها المؤلف اتسعت شبكة فروعها من دولة واحدة فقط هي الولايات المتحدة الأمريكية إلى 215 دولة حول العالم، كما أنها صُنفت من قبل فاينانشيال تايمز كواحدة من أكثر الشركات المرموقة في العالم، وجاءت فيدكس أيضًا في قائمة أفضل أماكن العمل في الولايات المتحدة، وكندا، وآسيا والبرازيل.

استمرت فيدكس على مدار ربع قرن في تصدر قائمة شركات الشحن في العالم ووضعت معايير خدمات النقل والخدمات اللوجيستية التي تُقيّم الشركات الأخرى بناء عليها، وفي ظل حفاظها على النمو رغم بيئة العمل دائمة التغيير، عكس هذا النجاح ثقافة ابتكار قوية قادرة على توليد أفكار إبداعية بشكل مستمر، وقبولها وتنفيذها.

ما مفهوم الابتكار لدى فيدكس؟

يؤكد بيرلا أن تجاربه في العمل أثبتت بما لا شك فيه أن جميع الموظفين لديهم القدرة على الإبتكار، وأن تنمية موظفين مبدعين يحتاج إلى بيئة عقلية مناسبة وممارسات قيادية سليمة من الرؤساء، وأن تطوير ثقافة ابتكار تشمل المنشأة بأكملها ما هو إلا حصيلة العقول المبدعة للموظفين.

يرى بيرلا أن الإبداع -على خلاف ما نعتقد- هو عملية فكرية المخ البشري مبرمج طبيعيًا على القيام بها دون الحاجة إلى دفعه لذلك، إذ يمكن توليد الأفكار الإبداعية ببساطة بعصف الذهن للعديد من الأفكار ثم انتقاء الأفكار التي تحقق أفضل استغلال للفرص من أجل تلبية احتياجات العملاء المتغيرة.

اقتباس ترى فيدكس الابتكار يركز على سؤال _ماذا لو_ بدلا من سؤال _كيف_

ترى فيدكس أن الابتكار في عالم الأعمال يركز على طرح سؤال: ماذا لو؟ بدلًا من الانشغال بسؤال: كيف؟ الذي سرعان ما ننجر إليه للوصول إلى حل سريع عندما نواجه مشكلة ما. فكلما زادت الأسئلة من نوعية: “ماذا لو وضعنا المشكلة في هذا الإطار؟ ماذا لو نظرنا إلى العلاقة بين تلك المتغيرات؟ ماذا لو بحثنا عن خيارات أخرى؟” كانت بيئة العمل أكثر إبداعًا.

كيف بنت فيدكس ثقافتها الداعمة للابتكار؟

تتكون ثقافة الابتكار في فيدكس من خمسة شروط يجب على القادة من جميع المستويات في المنشأة الوفاء بها وتهيئتها في أجواء العمل، لكي يسود الابتكار والتفكير الإبداعي في البيئة الداخلية للمنشأة. سنصف فيما يلي كل شرط من هذه الشروط وكيف تتضافر معًا في تهيئة نموذج مثالي للابتكار:

الشرط الأول: مشاركة الموظفين بفعالية في مهمة الشركة وعملية الابتكار

بعد مشاهدة عرض تقديمي غني بالألوان والتصاميم الجذابة حول “لماذا ينبغي على المنشأة أن تلجأ إلى الابتكار؟” مدعم بالبراهين المقنعة على الأقل من وجهة نظر المديرين، ينفض الاجتماع ويعود الموظفون إلى مكاتبهم ليواصلوا العمل بالطريقة المعتادة نفسها، وتمر الأسابيع دون حدوث أي تغيير يذكر، لماذا يتكرر هذا السيناريو؟ لأن المنشآت لا تشرك الموظفين في التطوير.

يشارك الموظفون بأفكارهم في عملية الابتكار إذا شعروا بأن ما يحدث سيؤثر عليهم، وأنهم سيحصلون على التقدير عندما يكونوا جزءًا من فريق ناجح يحقق إنجازات. كيف فعلت فيدكس ذلك؟ من خلال هذه الممارسات:

  1. خصص القادة وقت منتظم للإجابة عن هذه الأسئلة للموظفين: ما استراتيجية نمو المنشأة؟ كيف يؤثر ما أفعله على استراتيجية المنشأة؟ ما الذي ينبغي علي عمله تحديدًا كي أساهم في تحقيق الاستراتيجية؟ كيف سأستفيد من ذلك؟
  2. تذكير الموظفين باستمرار بدورهم في تحقيق مهمة الشركة وأنهم يقدمون خدمة توصيل غاية في الأهمية، فينقلون المعدات الطبية للمنكوبين، وقطع الغيار اللازمة لتشغيل الآلات والمصانع، والوثائق القانونية التي لابد من توصيلها دون تأخير ..إلخ. 

يذكر أنه على باب مكتب الإدارة التنفيذية في فيدكس يقف نموذج لسفينة شراعية، اعتاد المؤسس القول بأن طائرات فيدكس هي البديل العصري للمراكب الشراعية، التي تصل الدول ببعضها البعض وتزيد من حجم التجارة العالمية وبالتالي تساعد في رفع مستوى معيشة الأفراد حول العالم.

  1. مشاركة الأرباح مع الموظفين هي جزء أساسي من فلسفة فيدكس التي تضع الناس أولًا، إيمانًا منها بأهمية العامل الاقتصادي، واحتياج الموظف إلى الحصول على راتب لائق لإعالة نفسه وأسرته.
  2. تهيئة أجواء الحماس، إذ يبدي المديرون تحمسهم ويظهرون مشاعر العزيمة أمام الموظفين، فنتتقل هذه المشاعر للموظفين لأن مشاعر القائد معدية.
  3. بلورة رسالة نبيلة وراقية للشركة، وحث الموظفين على المساهمة في القيام بها، من خلال تقديم المساعدة المناسبة للعميل، “ضع نفسك مكانه وكأنك من تطلب المساعدة، دون رغبة في الشكر أو الثناء، بل مساعدته في موقف صعب ليس إلا”، وهو ما يُشعر الموظف بأنه أحدث فارقًا.

الشرط الثاني: مساعدة الموظفين على التطوير المستمر لمعارفهم ومهاراتهم

بعد أن أصبح الموظف راغبًا في المشاركة بطرح أفكاره الإبداعية، سيتعين عليه التفكير خارج الصندوق لكي يصل إلى أفكار جديدة، وهو ما يكون بإحدى طريقتين:

الطريقة الأولى للتفكير خارج الصندوق: اكتساب معلومات وتكوين قاعدة معرفية جديدة 

يستطيع الموظف العثور على أفكار جديدة إذا حدّث قاعدة معرفته بمعلومات جديدة عما هو موجود حاليًا في عقله (مع افتراض أن العقل هو الصندوق الذي نحتاج للتفكير خارجه)، فكلما زادت معرفتنا زادت قدرتنا على إيجاد حلول مبتكرة، لذلك لا ينبغي على الموظف التوقف عن متابعة أحدث الاتجاهات والاطلاع على أجدد التقنيات في مجال عمله.

يضرب بيرلا مثلًا بإحدى تجاربه، إذ كُلف خلال سنوات عمله بوضع خطط لإنشاء مراكز لفيدكس في المطارات بشتى أنحاء العالم، فكان يبدأ التخطيط بدراسة توقعات السوق، وفي إحدى المرات استغرق الأمر 6 أشهر للانتهاء من وضع هذه الخطط، وخلال هذا الوقت كانت توقعات السوق قد تغيرت، لذلك وضع هدف بتقليص وقت عملية التخطيط إلى النصف، وهنا ظهرت الحاجة إلى العثور على طريقة للاستجابة لأوضاع السوق المتغيرة بوتيرة أسرع.

ضم بيرلا إلى فريقه أحد الخبراء الذي كان الهدف من ضمه توسيع معرفة الفريق، وهو ما قد كان، إذ استطاع الخبير وضع نظام آلي لمعالجة البيانات وتحويل عمليات استنزفت وقتًا إلى عمليات رقمية، وساعد هذا الاتساع في المعرفة إلى الوصول إلى سيناريوهات تشغيل أكثر إبداعًا، وتقلص وقت عملية التخطيط كما كان مطلوبًا. 

الطريقة الثانية للتفكير خارج الصندوق: ربط المعلومات القديمة ببعضها البعض بطرق إبداعية

تركز هذه الطريقة على الخيال وترك الفرصة للعقل ليشرد ويمزج الأفكار دون قيود، إذ يبني الخيال مسارات جديدة للخلايات العصبية تمكنها من التحرك والمشاركة في تفكير حر يشمل المخ بأكمله، وقد يسفر الربط والمقارنة بين موضوعات لا تجمعها علاقة منطقية عن العثور على أفكار مبتكرة.

مثلما توصل مؤسس فيدكس فريدريك سميث إلى فكرة استخدام “نظام التوزيع المحوري” من أجل شحن الوثائق والطرود، مستلهمًا الفكرة من البنك المركزي الذي يستخدم هذه الطريقة لدفع الشيكات، فربط هذه المعلومة الصغيرة باعتقاده أن الصناعات الحديثة ستحتاج إلى خدمة نقل سريعة، وعلى أساسها أسس نظام شحن الطرود في فيدكس.

الشرط الثالث: تهيئة بيئة آمنة تسمح بالتعبير عن الأفكار الإبداعية وقبولها

بعد أن رغب الموظف في المشاركة ووصل إلى أفكار إبداعية خلال أحد الاجتماعات، شعر بالقلق من التعبير عنها، مخافة أن لا تعجب أفكاره رئيسه والزملاء، ولم يشعر بالأمان الكافي للإفصاح عنها، فظلت حبيسه عقله رغم أنها قد تسهم إسهامًا كبيرًا في الحل المطلوب. 

لتشجيع الموظف على الإفراج عن هذه الأفكار، حرصت فيدكس على تهيئة بيئة آمنة يشعر فيها الموظفون بالأمان لكي يعرضوا أفكارهم الجيدة والسيئة على حد سواء، وعززت من شعور القادة بالثقة والأمان الداخلي الكافيين لقبول أفكار وحلول الموظفين التي قد تختلف عما يراه القادة، بالإضافة إلى تهيئتهم لتقبل المخاطرة التي قد تحدث من التغيير.

رأت فيدكس أن شعور القائد بالأمان الداخلي ينبع من ثقته بكفائته المهنية ومن علاقات الود والمحبة المتبادلة التي يشعر بها خارج العمل في محيط العائلة والأصدقاء، فالقائد المطمئن لا ينزعج من رفض أفكاره في العمل لأن حياته المهنية ليست المصدر الوحيد لشعوره بتقدير الذات، بل يأتي محيطه الاجتماعي الغني بالمحبة والدعم كمصدر أساسي آخر أكثر أهمية.

من هذا المنطلق، لم تكتف فيدكس بالسماح لموظفيها بامتلاك حياة خاصة بعيدًا عن العمل، بل شجعتهم على ذلك من أجل تحقيق التوازن بين الحياة والعمل، إيمانا منها بأن فقدان هذا التوازن يحدث فراغًا داخليًا يجعل الموظف يميل للسلوك الدفاعي، فبمجرد أن يطرح الآخرون أفكارًا أفضل، يشعر بالتهديد ويبدأ في الجدال، أو يبدي انتقادات أو يرفض أو ينفرد بجميع القرارات، ولا يقبل إلا ما نراه مناسبًا.

الشرط الرابع: تشجيع التعاون على بلورة الأفكار الإبداعية

تؤثر الفكرة المبتكرة على عدة أقسام داخل المنشأة، ولكي تتحول الفكرة إلى حل عملي قابل للتطبيق، تحتاج إلى تعاون فعلي بين الموظفين المختصين من جميع الأقسام التي ستتأثر بالفكرة، وهوما يبرز دور التعاون في هذه المرحلة، إذ يستحيل على موظف واحد متابعة جميع التغيرات والتطورات في ظل العالم سريع التغير الذي نعيشه. 

لذلك لا مفر من الاعتماد على الآخرين لسد فجوات المعلومات، وضمان تكوين قاعدة معرفية شاملة تجمع معلومات الأفراد معًا. لكي تفعل فيدكس ذلك، سعت إلى كسر عزلة الموظفين من خلال الآتي:

  1. تحطيم حاجز الصمت بتوفير أكبر عدد ممكن من قنوات التواصل واستخدامها كلما سنحت الفرصة، مع الحرص على الثناء على الآخرين والحد من التباهي بالنجاحات الشخصية، وذلك لإزالة الحواجز النفسية التي تنزع للأنانية وتعرقل التعاون بين الموظفين.
  2. تجول المديرين في أنحاء المنشأة والحديث مع الموظفين مباشرة، مع الحذر من إشعار الموظفين بالانزعاج من اختلافهم مع القادة، إذ يؤدي هذا الشعور السلبي إلى اكتفاء الموظفين بالحديث مع القادة عن ما يودون سماعه ويثبط ملكاتهم الإبداعية.
  3. تنظيم الاحتفالات والأنشطة الترفيهية لكسر حدة العمل الشاق، تشجع هذه الأنشطة الجماعية الموظفين على المرح والتفاعل مع زملائهم في كل المستويات، ما يحطم الحواجز الهرمية ويسهل التعاون مع أفراد نعرفهم شخصيًا.

الشرط الخامس: تعزيز روح الالتزام لدى الموظفين بهدف تطبيق الأفكار المبتكرة بنجاح

بعد أن طُورت الفكرة بنجاح، حان الآن وقت التنفيذ، إذ سيعمل على تطبيقها موظفين من كافة مستويات المنشأة، منهم من شارك في عملية التطوير والبلورة وهم الفريق الأكثر تحمسًا للتنفيذ، ومنهم من لم يشارك في العملية برمتها وهم الفريق الذي قد يشعر بالخوف من التغيير على المستوى الشخصي، حتى وإن فهم الحاجة إلى هذا التغيير من الناحية الموضوعية. 

يلعب هنا التزام الموظفين نحو المنشأة ونحو المديرين دورًا مهمًا في التغلب على هذا الخوف، إذ سيحدث الموظف المخلص نفسه قائلًا: “رغم عدم استيعابي لطبيعة هذا التغيير بشكل كامل، إلا أنني أثق في مديري وعلى استعداد لخوض هذه التجربة، وفي حال فشلي في التغيير سيدعمني مديري”. 

لكي تعزز فيدكس من التزام موظفيها حرصت على توعية قادتها ببناء علاقة مع موظفيهم قوامها المحبة والثقة المتبادلة، تركز على الولاء بدلًا من الإذعان، يهتم فيها المدير بالموظف كإنسان وليس كعامل فقط، ويعتني بحالته النفسية ويراعي احتياجاته. تحفز هذه العلاقة الطيبة الموظفين لتقديم أفضل ما لديهم، وتشجع الموظف للعمل بجد لكي تنجح الفكرة الجديدة، إذ سيتبع قائده إلى أراض مجهولة حتى لو لم يستوعب المغزى تمامًا.

ختامًا، كانت تلك إطلالة عابرة على أبعاد ثقافة الابتكار في فيدكس، لاحظنا فيها كيف تكاملت هذه الأبعاد معًا لإثراء وبلورة وتنفيذ الأفكار الإبداعية بنجاح في كل أقسام الشركة وعلى كل المستويات.

قم بتجربة مجانية لمنصة بايزات لإدارة الموارد البشرية والرواتب

اكتشف كيف يمكن لمنصة بيزات السحابية أن تحدث تحولاً في طريقة إدارة شركتك للموارد البشرية والرواتب

جدول المحتويات

قم بتجربة مجانية لمنصة بايزات لإدارة الموارد البشرية والرواتب

اكتشف كيف يمكن لمنصة بيزات السحابية أن تحدث تحولاً في طريقة إدارة شركتك للموارد البشرية والرواتب

في عام 2001 وبعد رحلة عمل استمرت 22 عامًا في فيدكس، تقاعد مادان بيرلا مدير تصميم نماذج الأنظمة ومدير معهد فيدكس للقيادة عن عمله في الشركة واتجه للعمل مستشار أعمال للعديد من الشركات مختلفة الأحجام. قرر بيرلا بعد تقاعده أن يحكي بعضًا من الدروس التي تعلمها على مدار رحلته المهنية في فيدكس ومن واقع عمله مستشارا بعدها، ووضع خلاصة هذه الخبرة في كتابه “فيدكس: قصة نجاح” الذي حكى فيه كيف حافظت شركة الشحن الرائدة في العالم على الابتكار واستطاعت التفوق على منافسيها منذ ولادتها عام 1973 وحتى مطلع الألفية الثانية، وهي قصة النجاح التي ساهم فيها بنفسه.

استند مادان بيرلا في الكتاب إلى العديد من التجارب، والقصص، والأفكار الملهمة والعملية التي يمكن أن تكون دليلًا لكل منشأة يساعدها على إرساء ثقافة عمل تنمي الابتكار. سنتطرق في هذا المقال إلى أهم الأفكار التي ناقشها المؤلف حول الابتكار وكيف يُزرع في صميم ثقافة المنشأة؟

لماذا فيدكس؟

نمت فيدكس نموًا هائلًا أثناء رحلة الابتكار، إذ كانت أول شركة تتخطى أرباحها مليار دولار في عشر سنوات كنتيجة لنموها الداخلي وليس لاستحواذها على شركات أخرى، وخلال الفترة التي يتحدث عنها المؤلف اتسعت شبكة فروعها من دولة واحدة فقط هي الولايات المتحدة الأمريكية إلى 215 دولة حول العالم، كما أنها صُنفت من قبل فاينانشيال تايمز كواحدة من أكثر الشركات المرموقة في العالم، وجاءت فيدكس أيضًا في قائمة أفضل أماكن العمل في الولايات المتحدة، وكندا، وآسيا والبرازيل.

استمرت فيدكس على مدار ربع قرن في تصدر قائمة شركات الشحن في العالم ووضعت معايير خدمات النقل والخدمات اللوجيستية التي تُقيّم الشركات الأخرى بناء عليها، وفي ظل حفاظها على النمو رغم بيئة العمل دائمة التغيير، عكس هذا النجاح ثقافة ابتكار قوية قادرة على توليد أفكار إبداعية بشكل مستمر، وقبولها وتنفيذها.

ما مفهوم الابتكار لدى فيدكس؟

يؤكد بيرلا أن تجاربه في العمل أثبتت بما لا شك فيه أن جميع الموظفين لديهم القدرة على الإبتكار، وأن تنمية موظفين مبدعين يحتاج إلى بيئة عقلية مناسبة وممارسات قيادية سليمة من الرؤساء، وأن تطوير ثقافة ابتكار تشمل المنشأة بأكملها ما هو إلا حصيلة العقول المبدعة للموظفين.

يرى بيرلا أن الإبداع -على خلاف ما نعتقد- هو عملية فكرية المخ البشري مبرمج طبيعيًا على القيام بها دون الحاجة إلى دفعه لذلك، إذ يمكن توليد الأفكار الإبداعية ببساطة بعصف الذهن للعديد من الأفكار ثم انتقاء الأفكار التي تحقق أفضل استغلال للفرص من أجل تلبية احتياجات العملاء المتغيرة.

اقتباس ترى فيدكس الابتكار يركز على سؤال _ماذا لو_ بدلا من سؤال _كيف_

ترى فيدكس أن الابتكار في عالم الأعمال يركز على طرح سؤال: ماذا لو؟ بدلًا من الانشغال بسؤال: كيف؟ الذي سرعان ما ننجر إليه للوصول إلى حل سريع عندما نواجه مشكلة ما. فكلما زادت الأسئلة من نوعية: “ماذا لو وضعنا المشكلة في هذا الإطار؟ ماذا لو نظرنا إلى العلاقة بين تلك المتغيرات؟ ماذا لو بحثنا عن خيارات أخرى؟” كانت بيئة العمل أكثر إبداعًا.

كيف بنت فيدكس ثقافتها الداعمة للابتكار؟

تتكون ثقافة الابتكار في فيدكس من خمسة شروط يجب على القادة من جميع المستويات في المنشأة الوفاء بها وتهيئتها في أجواء العمل، لكي يسود الابتكار والتفكير الإبداعي في البيئة الداخلية للمنشأة. سنصف فيما يلي كل شرط من هذه الشروط وكيف تتضافر معًا في تهيئة نموذج مثالي للابتكار:

الشرط الأول: مشاركة الموظفين بفعالية في مهمة الشركة وعملية الابتكار

بعد مشاهدة عرض تقديمي غني بالألوان والتصاميم الجذابة حول “لماذا ينبغي على المنشأة أن تلجأ إلى الابتكار؟” مدعم بالبراهين المقنعة على الأقل من وجهة نظر المديرين، ينفض الاجتماع ويعود الموظفون إلى مكاتبهم ليواصلوا العمل بالطريقة المعتادة نفسها، وتمر الأسابيع دون حدوث أي تغيير يذكر، لماذا يتكرر هذا السيناريو؟ لأن المنشآت لا تشرك الموظفين في التطوير.

يشارك الموظفون بأفكارهم في عملية الابتكار إذا شعروا بأن ما يحدث سيؤثر عليهم، وأنهم سيحصلون على التقدير عندما يكونوا جزءًا من فريق ناجح يحقق إنجازات. كيف فعلت فيدكس ذلك؟ من خلال هذه الممارسات:

  1. خصص القادة وقت منتظم للإجابة عن هذه الأسئلة للموظفين: ما استراتيجية نمو المنشأة؟ كيف يؤثر ما أفعله على استراتيجية المنشأة؟ ما الذي ينبغي علي عمله تحديدًا كي أساهم في تحقيق الاستراتيجية؟ كيف سأستفيد من ذلك؟
  2. تذكير الموظفين باستمرار بدورهم في تحقيق مهمة الشركة وأنهم يقدمون خدمة توصيل غاية في الأهمية، فينقلون المعدات الطبية للمنكوبين، وقطع الغيار اللازمة لتشغيل الآلات والمصانع، والوثائق القانونية التي لابد من توصيلها دون تأخير ..إلخ. 

يذكر أنه على باب مكتب الإدارة التنفيذية في فيدكس يقف نموذج لسفينة شراعية، اعتاد المؤسس القول بأن طائرات فيدكس هي البديل العصري للمراكب الشراعية، التي تصل الدول ببعضها البعض وتزيد من حجم التجارة العالمية وبالتالي تساعد في رفع مستوى معيشة الأفراد حول العالم.

  1. مشاركة الأرباح مع الموظفين هي جزء أساسي من فلسفة فيدكس التي تضع الناس أولًا، إيمانًا منها بأهمية العامل الاقتصادي، واحتياج الموظف إلى الحصول على راتب لائق لإعالة نفسه وأسرته.
  2. تهيئة أجواء الحماس، إذ يبدي المديرون تحمسهم ويظهرون مشاعر العزيمة أمام الموظفين، فنتتقل هذه المشاعر للموظفين لأن مشاعر القائد معدية.
  3. بلورة رسالة نبيلة وراقية للشركة، وحث الموظفين على المساهمة في القيام بها، من خلال تقديم المساعدة المناسبة للعميل، “ضع نفسك مكانه وكأنك من تطلب المساعدة، دون رغبة في الشكر أو الثناء، بل مساعدته في موقف صعب ليس إلا”، وهو ما يُشعر الموظف بأنه أحدث فارقًا.

الشرط الثاني: مساعدة الموظفين على التطوير المستمر لمعارفهم ومهاراتهم

بعد أن أصبح الموظف راغبًا في المشاركة بطرح أفكاره الإبداعية، سيتعين عليه التفكير خارج الصندوق لكي يصل إلى أفكار جديدة، وهو ما يكون بإحدى طريقتين:

الطريقة الأولى للتفكير خارج الصندوق: اكتساب معلومات وتكوين قاعدة معرفية جديدة 

يستطيع الموظف العثور على أفكار جديدة إذا حدّث قاعدة معرفته بمعلومات جديدة عما هو موجود حاليًا في عقله (مع افتراض أن العقل هو الصندوق الذي نحتاج للتفكير خارجه)، فكلما زادت معرفتنا زادت قدرتنا على إيجاد حلول مبتكرة، لذلك لا ينبغي على الموظف التوقف عن متابعة أحدث الاتجاهات والاطلاع على أجدد التقنيات في مجال عمله.

يضرب بيرلا مثلًا بإحدى تجاربه، إذ كُلف خلال سنوات عمله بوضع خطط لإنشاء مراكز لفيدكس في المطارات بشتى أنحاء العالم، فكان يبدأ التخطيط بدراسة توقعات السوق، وفي إحدى المرات استغرق الأمر 6 أشهر للانتهاء من وضع هذه الخطط، وخلال هذا الوقت كانت توقعات السوق قد تغيرت، لذلك وضع هدف بتقليص وقت عملية التخطيط إلى النصف، وهنا ظهرت الحاجة إلى العثور على طريقة للاستجابة لأوضاع السوق المتغيرة بوتيرة أسرع.

ضم بيرلا إلى فريقه أحد الخبراء الذي كان الهدف من ضمه توسيع معرفة الفريق، وهو ما قد كان، إذ استطاع الخبير وضع نظام آلي لمعالجة البيانات وتحويل عمليات استنزفت وقتًا إلى عمليات رقمية، وساعد هذا الاتساع في المعرفة إلى الوصول إلى سيناريوهات تشغيل أكثر إبداعًا، وتقلص وقت عملية التخطيط كما كان مطلوبًا. 

الطريقة الثانية للتفكير خارج الصندوق: ربط المعلومات القديمة ببعضها البعض بطرق إبداعية

تركز هذه الطريقة على الخيال وترك الفرصة للعقل ليشرد ويمزج الأفكار دون قيود، إذ يبني الخيال مسارات جديدة للخلايات العصبية تمكنها من التحرك والمشاركة في تفكير حر يشمل المخ بأكمله، وقد يسفر الربط والمقارنة بين موضوعات لا تجمعها علاقة منطقية عن العثور على أفكار مبتكرة.

مثلما توصل مؤسس فيدكس فريدريك سميث إلى فكرة استخدام “نظام التوزيع المحوري” من أجل شحن الوثائق والطرود، مستلهمًا الفكرة من البنك المركزي الذي يستخدم هذه الطريقة لدفع الشيكات، فربط هذه المعلومة الصغيرة باعتقاده أن الصناعات الحديثة ستحتاج إلى خدمة نقل سريعة، وعلى أساسها أسس نظام شحن الطرود في فيدكس.

الشرط الثالث: تهيئة بيئة آمنة تسمح بالتعبير عن الأفكار الإبداعية وقبولها

بعد أن رغب الموظف في المشاركة ووصل إلى أفكار إبداعية خلال أحد الاجتماعات، شعر بالقلق من التعبير عنها، مخافة أن لا تعجب أفكاره رئيسه والزملاء، ولم يشعر بالأمان الكافي للإفصاح عنها، فظلت حبيسه عقله رغم أنها قد تسهم إسهامًا كبيرًا في الحل المطلوب. 

لتشجيع الموظف على الإفراج عن هذه الأفكار، حرصت فيدكس على تهيئة بيئة آمنة يشعر فيها الموظفون بالأمان لكي يعرضوا أفكارهم الجيدة والسيئة على حد سواء، وعززت من شعور القادة بالثقة والأمان الداخلي الكافيين لقبول أفكار وحلول الموظفين التي قد تختلف عما يراه القادة، بالإضافة إلى تهيئتهم لتقبل المخاطرة التي قد تحدث من التغيير.

رأت فيدكس أن شعور القائد بالأمان الداخلي ينبع من ثقته بكفائته المهنية ومن علاقات الود والمحبة المتبادلة التي يشعر بها خارج العمل في محيط العائلة والأصدقاء، فالقائد المطمئن لا ينزعج من رفض أفكاره في العمل لأن حياته المهنية ليست المصدر الوحيد لشعوره بتقدير الذات، بل يأتي محيطه الاجتماعي الغني بالمحبة والدعم كمصدر أساسي آخر أكثر أهمية.

من هذا المنطلق، لم تكتف فيدكس بالسماح لموظفيها بامتلاك حياة خاصة بعيدًا عن العمل، بل شجعتهم على ذلك من أجل تحقيق التوازن بين الحياة والعمل، إيمانا منها بأن فقدان هذا التوازن يحدث فراغًا داخليًا يجعل الموظف يميل للسلوك الدفاعي، فبمجرد أن يطرح الآخرون أفكارًا أفضل، يشعر بالتهديد ويبدأ في الجدال، أو يبدي انتقادات أو يرفض أو ينفرد بجميع القرارات، ولا يقبل إلا ما نراه مناسبًا.

الشرط الرابع: تشجيع التعاون على بلورة الأفكار الإبداعية

تؤثر الفكرة المبتكرة على عدة أقسام داخل المنشأة، ولكي تتحول الفكرة إلى حل عملي قابل للتطبيق، تحتاج إلى تعاون فعلي بين الموظفين المختصين من جميع الأقسام التي ستتأثر بالفكرة، وهوما يبرز دور التعاون في هذه المرحلة، إذ يستحيل على موظف واحد متابعة جميع التغيرات والتطورات في ظل العالم سريع التغير الذي نعيشه. 

لذلك لا مفر من الاعتماد على الآخرين لسد فجوات المعلومات، وضمان تكوين قاعدة معرفية شاملة تجمع معلومات الأفراد معًا. لكي تفعل فيدكس ذلك، سعت إلى كسر عزلة الموظفين من خلال الآتي:

  1. تحطيم حاجز الصمت بتوفير أكبر عدد ممكن من قنوات التواصل واستخدامها كلما سنحت الفرصة، مع الحرص على الثناء على الآخرين والحد من التباهي بالنجاحات الشخصية، وذلك لإزالة الحواجز النفسية التي تنزع للأنانية وتعرقل التعاون بين الموظفين.
  2. تجول المديرين في أنحاء المنشأة والحديث مع الموظفين مباشرة، مع الحذر من إشعار الموظفين بالانزعاج من اختلافهم مع القادة، إذ يؤدي هذا الشعور السلبي إلى اكتفاء الموظفين بالحديث مع القادة عن ما يودون سماعه ويثبط ملكاتهم الإبداعية.
  3. تنظيم الاحتفالات والأنشطة الترفيهية لكسر حدة العمل الشاق، تشجع هذه الأنشطة الجماعية الموظفين على المرح والتفاعل مع زملائهم في كل المستويات، ما يحطم الحواجز الهرمية ويسهل التعاون مع أفراد نعرفهم شخصيًا.

الشرط الخامس: تعزيز روح الالتزام لدى الموظفين بهدف تطبيق الأفكار المبتكرة بنجاح

بعد أن طُورت الفكرة بنجاح، حان الآن وقت التنفيذ، إذ سيعمل على تطبيقها موظفين من كافة مستويات المنشأة، منهم من شارك في عملية التطوير والبلورة وهم الفريق الأكثر تحمسًا للتنفيذ، ومنهم من لم يشارك في العملية برمتها وهم الفريق الذي قد يشعر بالخوف من التغيير على المستوى الشخصي، حتى وإن فهم الحاجة إلى هذا التغيير من الناحية الموضوعية. 

يلعب هنا التزام الموظفين نحو المنشأة ونحو المديرين دورًا مهمًا في التغلب على هذا الخوف، إذ سيحدث الموظف المخلص نفسه قائلًا: “رغم عدم استيعابي لطبيعة هذا التغيير بشكل كامل، إلا أنني أثق في مديري وعلى استعداد لخوض هذه التجربة، وفي حال فشلي في التغيير سيدعمني مديري”. 

لكي تعزز فيدكس من التزام موظفيها حرصت على توعية قادتها ببناء علاقة مع موظفيهم قوامها المحبة والثقة المتبادلة، تركز على الولاء بدلًا من الإذعان، يهتم فيها المدير بالموظف كإنسان وليس كعامل فقط، ويعتني بحالته النفسية ويراعي احتياجاته. تحفز هذه العلاقة الطيبة الموظفين لتقديم أفضل ما لديهم، وتشجع الموظف للعمل بجد لكي تنجح الفكرة الجديدة، إذ سيتبع قائده إلى أراض مجهولة حتى لو لم يستوعب المغزى تمامًا.

ختامًا، كانت تلك إطلالة عابرة على أبعاد ثقافة الابتكار في فيدكس، لاحظنا فيها كيف تكاملت هذه الأبعاد معًا لإثراء وبلورة وتنفيذ الأفكار الإبداعية بنجاح في كل أقسام الشركة وعلى كل المستويات.

تقدِّم منصة بيزات حلولًا فعالة وجاهزة لمديري الموارد البشرية

تمكنك منصة بيزات من أتمتة إدارة الموارد البشرية ومسير الرواتب، من الترحيب بالموظفين وحتى احتساب نهاية الخدمة؛ وتقدم لموظفيك تجربة استثنائية بمعايير عالمية.

تقدِّم منصة بيزات حلولًا فعالة وجاهزة لمديري الموارد البشرية

تمكنك منصة بيزات من أتمتة إدارة الموارد البشرية ومسير الرواتب، من الترحيب بالموظفين وحتى احتساب نهاية الخدمة؛ وتقدم لموظفيك تجربة استثنائية بمعايير عالمية.

في عام 2001 وبعد رحلة عمل استمرت 22 عامًا في فيدكس، تقاعد مادان بيرلا مدير تصميم نماذج الأنظمة ومدير معهد فيدكس للقيادة عن عمله في الشركة واتجه للعمل مستشار أعمال للعديد من الشركات مختلفة الأحجام. قرر بيرلا بعد تقاعده أن يحكي بعضًا من الدروس التي تعلمها على مدار رحلته المهنية في فيدكس ومن واقع عمله مستشارا بعدها، ووضع خلاصة هذه الخبرة في كتابه “فيدكس: قصة نجاح” الذي حكى فيه كيف حافظت شركة الشحن الرائدة في العالم على الابتكار واستطاعت التفوق على منافسيها منذ ولادتها عام 1973 وحتى مطلع الألفية الثانية، وهي قصة النجاح التي ساهم فيها بنفسه.

استند مادان بيرلا في الكتاب إلى العديد من التجارب، والقصص، والأفكار الملهمة والعملية التي يمكن أن تكون دليلًا لكل منشأة يساعدها على إرساء ثقافة عمل تنمي الابتكار. سنتطرق في هذا المقال إلى أهم الأفكار التي ناقشها المؤلف حول الابتكار وكيف يُزرع في صميم ثقافة المنشأة؟

لماذا فيدكس؟

نمت فيدكس نموًا هائلًا أثناء رحلة الابتكار، إذ كانت أول شركة تتخطى أرباحها مليار دولار في عشر سنوات كنتيجة لنموها الداخلي وليس لاستحواذها على شركات أخرى، وخلال الفترة التي يتحدث عنها المؤلف اتسعت شبكة فروعها من دولة واحدة فقط هي الولايات المتحدة الأمريكية إلى 215 دولة حول العالم، كما أنها صُنفت من قبل فاينانشيال تايمز كواحدة من أكثر الشركات المرموقة في العالم، وجاءت فيدكس أيضًا في قائمة أفضل أماكن العمل في الولايات المتحدة، وكندا، وآسيا والبرازيل.

استمرت فيدكس على مدار ربع قرن في تصدر قائمة شركات الشحن في العالم ووضعت معايير خدمات النقل والخدمات اللوجيستية التي تُقيّم الشركات الأخرى بناء عليها، وفي ظل حفاظها على النمو رغم بيئة العمل دائمة التغيير، عكس هذا النجاح ثقافة ابتكار قوية قادرة على توليد أفكار إبداعية بشكل مستمر، وقبولها وتنفيذها.

ما مفهوم الابتكار لدى فيدكس؟

يؤكد بيرلا أن تجاربه في العمل أثبتت بما لا شك فيه أن جميع الموظفين لديهم القدرة على الإبتكار، وأن تنمية موظفين مبدعين يحتاج إلى بيئة عقلية مناسبة وممارسات قيادية سليمة من الرؤساء، وأن تطوير ثقافة ابتكار تشمل المنشأة بأكملها ما هو إلا حصيلة العقول المبدعة للموظفين.

يرى بيرلا أن الإبداع -على خلاف ما نعتقد- هو عملية فكرية المخ البشري مبرمج طبيعيًا على القيام بها دون الحاجة إلى دفعه لذلك، إذ يمكن توليد الأفكار الإبداعية ببساطة بعصف الذهن للعديد من الأفكار ثم انتقاء الأفكار التي تحقق أفضل استغلال للفرص من أجل تلبية احتياجات العملاء المتغيرة.

اقتباس ترى فيدكس الابتكار يركز على سؤال _ماذا لو_ بدلا من سؤال _كيف_

ترى فيدكس أن الابتكار في عالم الأعمال يركز على طرح سؤال: ماذا لو؟ بدلًا من الانشغال بسؤال: كيف؟ الذي سرعان ما ننجر إليه للوصول إلى حل سريع عندما نواجه مشكلة ما. فكلما زادت الأسئلة من نوعية: “ماذا لو وضعنا المشكلة في هذا الإطار؟ ماذا لو نظرنا إلى العلاقة بين تلك المتغيرات؟ ماذا لو بحثنا عن خيارات أخرى؟” كانت بيئة العمل أكثر إبداعًا.

كيف بنت فيدكس ثقافتها الداعمة للابتكار؟

تتكون ثقافة الابتكار في فيدكس من خمسة شروط يجب على القادة من جميع المستويات في المنشأة الوفاء بها وتهيئتها في أجواء العمل، لكي يسود الابتكار والتفكير الإبداعي في البيئة الداخلية للمنشأة. سنصف فيما يلي كل شرط من هذه الشروط وكيف تتضافر معًا في تهيئة نموذج مثالي للابتكار:

الشرط الأول: مشاركة الموظفين بفعالية في مهمة الشركة وعملية الابتكار

بعد مشاهدة عرض تقديمي غني بالألوان والتصاميم الجذابة حول “لماذا ينبغي على المنشأة أن تلجأ إلى الابتكار؟” مدعم بالبراهين المقنعة على الأقل من وجهة نظر المديرين، ينفض الاجتماع ويعود الموظفون إلى مكاتبهم ليواصلوا العمل بالطريقة المعتادة نفسها، وتمر الأسابيع دون حدوث أي تغيير يذكر، لماذا يتكرر هذا السيناريو؟ لأن المنشآت لا تشرك الموظفين في التطوير.

يشارك الموظفون بأفكارهم في عملية الابتكار إذا شعروا بأن ما يحدث سيؤثر عليهم، وأنهم سيحصلون على التقدير عندما يكونوا جزءًا من فريق ناجح يحقق إنجازات. كيف فعلت فيدكس ذلك؟ من خلال هذه الممارسات:

  1. خصص القادة وقت منتظم للإجابة عن هذه الأسئلة للموظفين: ما استراتيجية نمو المنشأة؟ كيف يؤثر ما أفعله على استراتيجية المنشأة؟ ما الذي ينبغي علي عمله تحديدًا كي أساهم في تحقيق الاستراتيجية؟ كيف سأستفيد من ذلك؟
  2. تذكير الموظفين باستمرار بدورهم في تحقيق مهمة الشركة وأنهم يقدمون خدمة توصيل غاية في الأهمية، فينقلون المعدات الطبية للمنكوبين، وقطع الغيار اللازمة لتشغيل الآلات والمصانع، والوثائق القانونية التي لابد من توصيلها دون تأخير ..إلخ. 

يذكر أنه على باب مكتب الإدارة التنفيذية في فيدكس يقف نموذج لسفينة شراعية، اعتاد المؤسس القول بأن طائرات فيدكس هي البديل العصري للمراكب الشراعية، التي تصل الدول ببعضها البعض وتزيد من حجم التجارة العالمية وبالتالي تساعد في رفع مستوى معيشة الأفراد حول العالم.

  1. مشاركة الأرباح مع الموظفين هي جزء أساسي من فلسفة فيدكس التي تضع الناس أولًا، إيمانًا منها بأهمية العامل الاقتصادي، واحتياج الموظف إلى الحصول على راتب لائق لإعالة نفسه وأسرته.
  2. تهيئة أجواء الحماس، إذ يبدي المديرون تحمسهم ويظهرون مشاعر العزيمة أمام الموظفين، فنتتقل هذه المشاعر للموظفين لأن مشاعر القائد معدية.
  3. بلورة رسالة نبيلة وراقية للشركة، وحث الموظفين على المساهمة في القيام بها، من خلال تقديم المساعدة المناسبة للعميل، “ضع نفسك مكانه وكأنك من تطلب المساعدة، دون رغبة في الشكر أو الثناء، بل مساعدته في موقف صعب ليس إلا”، وهو ما يُشعر الموظف بأنه أحدث فارقًا.

الشرط الثاني: مساعدة الموظفين على التطوير المستمر لمعارفهم ومهاراتهم

بعد أن أصبح الموظف راغبًا في المشاركة بطرح أفكاره الإبداعية، سيتعين عليه التفكير خارج الصندوق لكي يصل إلى أفكار جديدة، وهو ما يكون بإحدى طريقتين:

الطريقة الأولى للتفكير خارج الصندوق: اكتساب معلومات وتكوين قاعدة معرفية جديدة 

يستطيع الموظف العثور على أفكار جديدة إذا حدّث قاعدة معرفته بمعلومات جديدة عما هو موجود حاليًا في عقله (مع افتراض أن العقل هو الصندوق الذي نحتاج للتفكير خارجه)، فكلما زادت معرفتنا زادت قدرتنا على إيجاد حلول مبتكرة، لذلك لا ينبغي على الموظف التوقف عن متابعة أحدث الاتجاهات والاطلاع على أجدد التقنيات في مجال عمله.

يضرب بيرلا مثلًا بإحدى تجاربه، إذ كُلف خلال سنوات عمله بوضع خطط لإنشاء مراكز لفيدكس في المطارات بشتى أنحاء العالم، فكان يبدأ التخطيط بدراسة توقعات السوق، وفي إحدى المرات استغرق الأمر 6 أشهر للانتهاء من وضع هذه الخطط، وخلال هذا الوقت كانت توقعات السوق قد تغيرت، لذلك وضع هدف بتقليص وقت عملية التخطيط إلى النصف، وهنا ظهرت الحاجة إلى العثور على طريقة للاستجابة لأوضاع السوق المتغيرة بوتيرة أسرع.

ضم بيرلا إلى فريقه أحد الخبراء الذي كان الهدف من ضمه توسيع معرفة الفريق، وهو ما قد كان، إذ استطاع الخبير وضع نظام آلي لمعالجة البيانات وتحويل عمليات استنزفت وقتًا إلى عمليات رقمية، وساعد هذا الاتساع في المعرفة إلى الوصول إلى سيناريوهات تشغيل أكثر إبداعًا، وتقلص وقت عملية التخطيط كما كان مطلوبًا. 

الطريقة الثانية للتفكير خارج الصندوق: ربط المعلومات القديمة ببعضها البعض بطرق إبداعية

تركز هذه الطريقة على الخيال وترك الفرصة للعقل ليشرد ويمزج الأفكار دون قيود، إذ يبني الخيال مسارات جديدة للخلايات العصبية تمكنها من التحرك والمشاركة في تفكير حر يشمل المخ بأكمله، وقد يسفر الربط والمقارنة بين موضوعات لا تجمعها علاقة منطقية عن العثور على أفكار مبتكرة.

مثلما توصل مؤسس فيدكس فريدريك سميث إلى فكرة استخدام “نظام التوزيع المحوري” من أجل شحن الوثائق والطرود، مستلهمًا الفكرة من البنك المركزي الذي يستخدم هذه الطريقة لدفع الشيكات، فربط هذه المعلومة الصغيرة باعتقاده أن الصناعات الحديثة ستحتاج إلى خدمة نقل سريعة، وعلى أساسها أسس نظام شحن الطرود في فيدكس.

الشرط الثالث: تهيئة بيئة آمنة تسمح بالتعبير عن الأفكار الإبداعية وقبولها

بعد أن رغب الموظف في المشاركة ووصل إلى أفكار إبداعية خلال أحد الاجتماعات، شعر بالقلق من التعبير عنها، مخافة أن لا تعجب أفكاره رئيسه والزملاء، ولم يشعر بالأمان الكافي للإفصاح عنها، فظلت حبيسه عقله رغم أنها قد تسهم إسهامًا كبيرًا في الحل المطلوب. 

لتشجيع الموظف على الإفراج عن هذه الأفكار، حرصت فيدكس على تهيئة بيئة آمنة يشعر فيها الموظفون بالأمان لكي يعرضوا أفكارهم الجيدة والسيئة على حد سواء، وعززت من شعور القادة بالثقة والأمان الداخلي الكافيين لقبول أفكار وحلول الموظفين التي قد تختلف عما يراه القادة، بالإضافة إلى تهيئتهم لتقبل المخاطرة التي قد تحدث من التغيير.

رأت فيدكس أن شعور القائد بالأمان الداخلي ينبع من ثقته بكفائته المهنية ومن علاقات الود والمحبة المتبادلة التي يشعر بها خارج العمل في محيط العائلة والأصدقاء، فالقائد المطمئن لا ينزعج من رفض أفكاره في العمل لأن حياته المهنية ليست المصدر الوحيد لشعوره بتقدير الذات، بل يأتي محيطه الاجتماعي الغني بالمحبة والدعم كمصدر أساسي آخر أكثر أهمية.

من هذا المنطلق، لم تكتف فيدكس بالسماح لموظفيها بامتلاك حياة خاصة بعيدًا عن العمل، بل شجعتهم على ذلك من أجل تحقيق التوازن بين الحياة والعمل، إيمانا منها بأن فقدان هذا التوازن يحدث فراغًا داخليًا يجعل الموظف يميل للسلوك الدفاعي، فبمجرد أن يطرح الآخرون أفكارًا أفضل، يشعر بالتهديد ويبدأ في الجدال، أو يبدي انتقادات أو يرفض أو ينفرد بجميع القرارات، ولا يقبل إلا ما نراه مناسبًا.

الشرط الرابع: تشجيع التعاون على بلورة الأفكار الإبداعية

تؤثر الفكرة المبتكرة على عدة أقسام داخل المنشأة، ولكي تتحول الفكرة إلى حل عملي قابل للتطبيق، تحتاج إلى تعاون فعلي بين الموظفين المختصين من جميع الأقسام التي ستتأثر بالفكرة، وهوما يبرز دور التعاون في هذه المرحلة، إذ يستحيل على موظف واحد متابعة جميع التغيرات والتطورات في ظل العالم سريع التغير الذي نعيشه. 

لذلك لا مفر من الاعتماد على الآخرين لسد فجوات المعلومات، وضمان تكوين قاعدة معرفية شاملة تجمع معلومات الأفراد معًا. لكي تفعل فيدكس ذلك، سعت إلى كسر عزلة الموظفين من خلال الآتي:

  1. تحطيم حاجز الصمت بتوفير أكبر عدد ممكن من قنوات التواصل واستخدامها كلما سنحت الفرصة، مع الحرص على الثناء على الآخرين والحد من التباهي بالنجاحات الشخصية، وذلك لإزالة الحواجز النفسية التي تنزع للأنانية وتعرقل التعاون بين الموظفين.
  2. تجول المديرين في أنحاء المنشأة والحديث مع الموظفين مباشرة، مع الحذر من إشعار الموظفين بالانزعاج من اختلافهم مع القادة، إذ يؤدي هذا الشعور السلبي إلى اكتفاء الموظفين بالحديث مع القادة عن ما يودون سماعه ويثبط ملكاتهم الإبداعية.
  3. تنظيم الاحتفالات والأنشطة الترفيهية لكسر حدة العمل الشاق، تشجع هذه الأنشطة الجماعية الموظفين على المرح والتفاعل مع زملائهم في كل المستويات، ما يحطم الحواجز الهرمية ويسهل التعاون مع أفراد نعرفهم شخصيًا.

الشرط الخامس: تعزيز روح الالتزام لدى الموظفين بهدف تطبيق الأفكار المبتكرة بنجاح

بعد أن طُورت الفكرة بنجاح، حان الآن وقت التنفيذ، إذ سيعمل على تطبيقها موظفين من كافة مستويات المنشأة، منهم من شارك في عملية التطوير والبلورة وهم الفريق الأكثر تحمسًا للتنفيذ، ومنهم من لم يشارك في العملية برمتها وهم الفريق الذي قد يشعر بالخوف من التغيير على المستوى الشخصي، حتى وإن فهم الحاجة إلى هذا التغيير من الناحية الموضوعية. 

يلعب هنا التزام الموظفين نحو المنشأة ونحو المديرين دورًا مهمًا في التغلب على هذا الخوف، إذ سيحدث الموظف المخلص نفسه قائلًا: “رغم عدم استيعابي لطبيعة هذا التغيير بشكل كامل، إلا أنني أثق في مديري وعلى استعداد لخوض هذه التجربة، وفي حال فشلي في التغيير سيدعمني مديري”. 

لكي تعزز فيدكس من التزام موظفيها حرصت على توعية قادتها ببناء علاقة مع موظفيهم قوامها المحبة والثقة المتبادلة، تركز على الولاء بدلًا من الإذعان، يهتم فيها المدير بالموظف كإنسان وليس كعامل فقط، ويعتني بحالته النفسية ويراعي احتياجاته. تحفز هذه العلاقة الطيبة الموظفين لتقديم أفضل ما لديهم، وتشجع الموظف للعمل بجد لكي تنجح الفكرة الجديدة، إذ سيتبع قائده إلى أراض مجهولة حتى لو لم يستوعب المغزى تمامًا.

ختامًا، كانت تلك إطلالة عابرة على أبعاد ثقافة الابتكار في فيدكس، لاحظنا فيها كيف تكاملت هذه الأبعاد معًا لإثراء وبلورة وتنفيذ الأفكار الإبداعية بنجاح في كل أقسام الشركة وعلى كل المستويات.

قم بتجربة مجانية لمنصة بايزات لإدارة الموارد البشرية والرواتب

اكتشف كيف يمكن لمنصة بيزات السحابية أن تحدث تحولاً في طريقة إدارة شركتك للموارد البشرية والرواتب

Abdelkarim Aridj
Abdelkarim Aridj
مسوق رقمي متمرس واستراتيجي تسويق المحتوى. عندما لا يعمل، يقضي وقت فراغه في ركوب الدراجات والمشي لمسافات طويلة. إلى جانب درجة الماجستير في الإدارة، فهو حاصل على شهادة البكالوريوس في الترجمة.

مقالات ذات صلة