مع مطلع عام 2021 وبعد مرور عام على انتشار فيروس كورونا، ظهرت موجة عالمية من الاستقالات وصفها البعض بأنها حركة “الاستقالة العظمى The Great Resignation”، واختلف الخبراء في تفسيرها وتقدير مدى ديمومة تأثيرها خلال السنوات المقبلة. في هذا المقال نسلط الضوء على حركة الاستقالات العالمية وإلى أي مدى يمتد تأثيرها إلى السعودية، وما الذي يمكن للمنشآت السعودية أن تستعد به لمواجهة اتجاهًا من هذا النوع؟

ما هي حركة الاستقالات العالمية؟

حركة الاستقالات العالمية هي اتجاه اقتصادي يستقيل فيه الموظفون من وظائفهم برغبتهم الحرة وبشكل جماعي، بدأ صدى هذه  العبارة يتردد مع انتشار فيروس كورونا عام 2020 إذ لوحظ انخفاض ملحوظ في عدد استقالات الموظفين، وسط توقعات بمعاودة ارتفاعه بشكل أكبر من المعتاد بمجرد انتهاء الوباء. 

عزا الخبراء هذه الانخفاض إلى تمسك الموظفين بوظائفهم في أوقات الشعور بالخطر وضبابية المستقبل، وبالتالي بمجرد أن تتحسن ظروف مكافحة الوباء وينقشع الخوف، فإن الإقبال على الاستقالة سيكون كبيرًا نتيجة لتراكم أعداد الموظفين الذين أحجمهم القلق عن الاستقالة.

على الرغم من أن هذه التوقعات قد صدقت، واستقال أكثر من 47 مليون أمريكي من وظائفهم عام 2021 في خروج جماعي غير مسبوق، وانضم إلى الموجة بلدانًا أخرى في أوروبا، واستراليا وحتى اليابان، إلا أن النظر في السياق الإجمالي للاستقالات خلال السنوات الاثنتي عشر الماضية، يؤكد أن حركة الاستقالات العالمية ليست اضطرابًا قصير المدى مدفوع بالوباء، بل هي اتجاه طويل المدى ذو وتيرة منتظمة، كما يتبين من الصورة:

متوسط الاستقالة الشهري
المصدر مكتب إحصاءات العمل إعداد هارفارد بزنس ريفيو

يتضح من الأرقام ارتفاع معدل الاستقالات بنسبة 0.10% سنويًا منذ عام 2009، ولم يتباطأ هذا المعدل إلا في عام 2020 بسبب الوباء، ثم عاود التحرك بوتيرة أسرع بسبب عدد الموظفين الذين كان من الممكن أن يستقيلوا في 2020 لو لم تحدث الجائحة.

يتضح من هذه الأرقام أن حركة الاستقالات العالمية ليست حركة مؤقتة، بل هي اتجاه بدأ منذ أكثر من عقد من الزمن وسيستمر على الأرجح لسنوات قادمة.

ماذا عن الوضع في سوق العمل السعودي؟

معدلات دوران الموظفين في دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2023
التقرير السنوي | جميع الحقوق محفوظة لبروكابيتا pro capitacom | 2024 2023

تتصدر السعودية قائمة معدل دوران الموظفين من بين دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 14.1% لعام 2023 وفقًا لتقرير شركة بروكابيتا، الذي عزا هذا التصدر إلى المبادرات والمشروعات العملاقة التي تحفز الكفاءات على البحث والانتقال إلى فرص جديدة أفضل. 

لا يمكن القول بأن سوق العمل السعودي هو جزء من حركة الاستقالات العالمية، إذ يرى البعض أنها لم طرق أبواب المملكة بعد، إلا أن القراءة العامة لأوضاع التوظيف في سوق العمل السعودي، يتبين منها المرونة الكبيرة للسوق وحركة التنقلات المستمرة للموظفين سواء في داخل السوق نفسه أو حتى إلى خارجه، يرجع ذلك إلى هذه الأسباب:

  • أكد التقرير أن توفر فرص عمل جديدة هو السبب الرئيسي وراء ترك الموظفين لوظائفهم، خاصة في ظل إقبال الكثير من الشباب السعودي على ريادة الأعمال، ودعم الحكومة لفكرة صنع بيئة عمل جذابة في القطاعين العام والخاص واستقطاب الشركات العالمية إلى المملكة.
  • المزايا الوظيفية جاءت كثاني سبب يبعث على ترك الوظائف، بحثًا عن فوائد أكثر جاذبية.
  • رأت 43.3% من الشركات السعودية أن التعويضات التنافسية التي تقدمها الأسواق المجاورة وعلى رأسها الإمارات، تمثل تحديًا لها لأنها تستنزف المواهب.
  • أتاحت مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية – وما تبعها من إلغاء لنظام الكفيل – للموظفين غير السعوديين إمكانية تغيير أماكن عملهم.
  • اشتعال حرب استقطاب المواهب بسبب قوانين السعودة الجديدة، التي صنعت منافسة شرسة، دفعت بالكثير من الموظفين السعوديين إلى استكشاف قيمتهم السوقية الحقيقية والبحث عن فرص جديدة أفضل.

كيف تستعد المنشآت السعودية لمستقبل حركة الاستقالات العالمية؟

تعيش المنشآت السعودية في واحد من أسرع الاقتصادات تحولًا في العالم وفي أحد أكثر أسواق العمل ديناميكية، وبالتالي تحسبًا لأي تحدٍ يخص التوظيف واحتمال امتداد أثر حركة الاستقالات العالمية إلى داخل البلاد، يتعين على المنشآت العمل على تحسين بيئة العمل لديها بأكثر من طريقة، كما يلي:

تحسين هيكل الأجور 

تشير الأرقام إلى أن أجور الموظفين السعوديين آخذة في الارتفاع، خاصة الحاصلين على شهادات جامعية، إذ تزيد أجورهم بنسبة 6% مقارنة بغيرهم من الموظفين الحاصلين على الشهادة الثانوية التي تزيد أجورهم بنسبة 1%، كما أن الوظائف ذات المهارات العالية عددها في نمو مستمر وبالتالي تحظى بمعدلات أجور مرتفعة. 

تشجع الأجور الأعلى وتوافر فرص عمل أكثر الموظفين السعوديين على ترك أعمالهم والبحث عن فرص أفضل، وبالتالي تؤكد هذه المؤشرات على حتمية إعادة النظر في هيكل الأجور في المنشآت وتحسينه بجدية، فكما أشار تحليل لمعهد بروكينجز عن تبعات حركة الاستقالات العالمية؛ اضطرت الشركات في الولايات المتحدة  التي تعمل في صناعات تتمتع بأعلى معدلات الاستقالة، مثل الفنادق والمطاعم إلى التجاوب مع مغادرة موظفيها من خلال رفع الأجور بشكل حاد، بلغت هذه الزيادة في عام 2021 ثلاثة أضعاف الزيادة السنوية المعتادة في محاولة لإعادة بناء قوتها العاملة. 

تقديم مزايا مالية أفضل

المزايا المالية هي واحدة من أهم الإجراءات العلاجية التي قامت بها الشركات لتحسين مستويات التوظيف بها بعد أن تدهورت بفعل حركة الاستقالات العالمية، تأتي على رأس هذه المزايا الإجازات مدفوعة الأجر ورعاية الأطفال في الحالات الطارئة، بالإضافة إلى سداد المصاريف الدراسية، فمثلًا أطلقت شركة وول مارت برنامج Live Better U  وخصصت لتمويله مليار دولار، بحيث يدفع 100% من تكلفة التعليم الجامعي والكتب لموظفي الشركة خلال خمس سنوات.

تشجيع التوازن بين العمل والحياة

أصبح تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية طموحًا مهمًا للعديد من موظفي جيل الألفية وما بعدها، هذا الجيل الذي أتاحت له الجائحة إعادة التفكير في حياته المهنية، وظروف عمله وأهدافه الحياتية، فازدادت رغبته في التحرر من القيود القاسية للوظيفة والسعي للحصول على مرونة أكبر في مواعيد الدوام، بالإضافة إلى حرية العمل من المنزل أو المكتب، لذلك على المنشآت أن تضيف سياسات جديدة إلى أنظمتها مثل العمل المرن والعمل عن بعد وزيادة عدد الإجازات غير المدفوعة.

لن تنجح هذه السياسات في تحقيق هدفها بدون التدقيق في المديرين الحاليين وتقييم أساليبهم، لتضمن المنشأة كفائتهم في تقديم الدعم المستمر للموظفين، وحمايتهم من التعرض للاحتراق الوظيفي وتشجيعهم على تحقيق التوازن بين ضرورات العمل والحياة الشخصية.

ختامًا، لا تعني الحيوية التي يتمتع بها سوق العمل السعودي حتمية شعور المنشآت بالخطر من أن يطالها تأثير حركة الاستقالات العالمية، بل على العكس، تحمل هذه الحيوية فرصًا حقيقية للمنشآت لتقليل معدل دوران الموظفين، وجذب الكفاءات وكسب ولاء الموظفين، طالما وضعت رؤية مستقبلية تستجيب لاحتياجات الموظفين المتغيرة، وتمنحهم المرونة الكافية في نظام العمل وتساعدهم على تطوير ذواتهم.

بيزات منصة متكاملة لإدارة الموارد البشرية ومسير الرواتب في السعودية

تمكنك منصة بيزات من أتمتة إدارة الموارد البشرية ومسير الرواتب، من الترحيب بالموظفين وحتى احتساب نهاية الخدمة؛ وتقدم لموظفيك تجربة استثنائية بمعايير عالمية.

جدول المحتويات

تقدِّم منصة بيزات حلولًا فعالة وجاهزة لمديري الموارد البشرية

تمكنك منصة بيزات من أتمتة إدارة الموارد البشرية ومسير الرواتب، من الترحيب بالموظفين وحتى احتساب نهاية الخدمة؛ وتقدم لموظفيك تجربة استثنائية بمعايير عالمية.

مع مطلع عام 2021 وبعد مرور عام على انتشار فيروس كورونا، ظهرت موجة عالمية من الاستقالات وصفها البعض بأنها حركة “الاستقالة العظمى The Great Resignation”، واختلف الخبراء في تفسيرها وتقدير مدى ديمومة تأثيرها خلال السنوات المقبلة. في هذا المقال نسلط الضوء على حركة الاستقالات العالمية وإلى أي مدى يمتد تأثيرها إلى السعودية، وما الذي يمكن للمنشآت السعودية أن تستعد به لمواجهة اتجاهًا من هذا النوع؟

ما هي حركة الاستقالات العالمية؟

حركة الاستقالات العالمية هي اتجاه اقتصادي يستقيل فيه الموظفون من وظائفهم برغبتهم الحرة وبشكل جماعي، بدأ صدى هذه  العبارة يتردد مع انتشار فيروس كورونا عام 2020 إذ لوحظ انخفاض ملحوظ في عدد استقالات الموظفين، وسط توقعات بمعاودة ارتفاعه بشكل أكبر من المعتاد بمجرد انتهاء الوباء. 

عزا الخبراء هذه الانخفاض إلى تمسك الموظفين بوظائفهم في أوقات الشعور بالخطر وضبابية المستقبل، وبالتالي بمجرد أن تتحسن ظروف مكافحة الوباء وينقشع الخوف، فإن الإقبال على الاستقالة سيكون كبيرًا نتيجة لتراكم أعداد الموظفين الذين أحجمهم القلق عن الاستقالة.

على الرغم من أن هذه التوقعات قد صدقت، واستقال أكثر من 47 مليون أمريكي من وظائفهم عام 2021 في خروج جماعي غير مسبوق، وانضم إلى الموجة بلدانًا أخرى في أوروبا، واستراليا وحتى اليابان، إلا أن النظر في السياق الإجمالي للاستقالات خلال السنوات الاثنتي عشر الماضية، يؤكد أن حركة الاستقالات العالمية ليست اضطرابًا قصير المدى مدفوع بالوباء، بل هي اتجاه طويل المدى ذو وتيرة منتظمة، كما يتبين من الصورة:

متوسط الاستقالة الشهري
المصدر مكتب إحصاءات العمل إعداد هارفارد بزنس ريفيو

يتضح من الأرقام ارتفاع معدل الاستقالات بنسبة 0.10% سنويًا منذ عام 2009، ولم يتباطأ هذا المعدل إلا في عام 2020 بسبب الوباء، ثم عاود التحرك بوتيرة أسرع بسبب عدد الموظفين الذين كان من الممكن أن يستقيلوا في 2020 لو لم تحدث الجائحة.

يتضح من هذه الأرقام أن حركة الاستقالات العالمية ليست حركة مؤقتة، بل هي اتجاه بدأ منذ أكثر من عقد من الزمن وسيستمر على الأرجح لسنوات قادمة.

ماذا عن الوضع في سوق العمل السعودي؟

معدلات دوران الموظفين في دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2023
التقرير السنوي | جميع الحقوق محفوظة لبروكابيتا pro capitacom | 2024 2023

تتصدر السعودية قائمة معدل دوران الموظفين من بين دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 14.1% لعام 2023 وفقًا لتقرير شركة بروكابيتا، الذي عزا هذا التصدر إلى المبادرات والمشروعات العملاقة التي تحفز الكفاءات على البحث والانتقال إلى فرص جديدة أفضل. 

لا يمكن القول بأن سوق العمل السعودي هو جزء من حركة الاستقالات العالمية، إذ يرى البعض أنها لم طرق أبواب المملكة بعد، إلا أن القراءة العامة لأوضاع التوظيف في سوق العمل السعودي، يتبين منها المرونة الكبيرة للسوق وحركة التنقلات المستمرة للموظفين سواء في داخل السوق نفسه أو حتى إلى خارجه، يرجع ذلك إلى هذه الأسباب:

  • أكد التقرير أن توفر فرص عمل جديدة هو السبب الرئيسي وراء ترك الموظفين لوظائفهم، خاصة في ظل إقبال الكثير من الشباب السعودي على ريادة الأعمال، ودعم الحكومة لفكرة صنع بيئة عمل جذابة في القطاعين العام والخاص واستقطاب الشركات العالمية إلى المملكة.
  • المزايا الوظيفية جاءت كثاني سبب يبعث على ترك الوظائف، بحثًا عن فوائد أكثر جاذبية.
  • رأت 43.3% من الشركات السعودية أن التعويضات التنافسية التي تقدمها الأسواق المجاورة وعلى رأسها الإمارات، تمثل تحديًا لها لأنها تستنزف المواهب.
  • أتاحت مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية – وما تبعها من إلغاء لنظام الكفيل – للموظفين غير السعوديين إمكانية تغيير أماكن عملهم.
  • اشتعال حرب استقطاب المواهب بسبب قوانين السعودة الجديدة، التي صنعت منافسة شرسة، دفعت بالكثير من الموظفين السعوديين إلى استكشاف قيمتهم السوقية الحقيقية والبحث عن فرص جديدة أفضل.

كيف تستعد المنشآت السعودية لمستقبل حركة الاستقالات العالمية؟

تعيش المنشآت السعودية في واحد من أسرع الاقتصادات تحولًا في العالم وفي أحد أكثر أسواق العمل ديناميكية، وبالتالي تحسبًا لأي تحدٍ يخص التوظيف واحتمال امتداد أثر حركة الاستقالات العالمية إلى داخل البلاد، يتعين على المنشآت العمل على تحسين بيئة العمل لديها بأكثر من طريقة، كما يلي:

تحسين هيكل الأجور 

تشير الأرقام إلى أن أجور الموظفين السعوديين آخذة في الارتفاع، خاصة الحاصلين على شهادات جامعية، إذ تزيد أجورهم بنسبة 6% مقارنة بغيرهم من الموظفين الحاصلين على الشهادة الثانوية التي تزيد أجورهم بنسبة 1%، كما أن الوظائف ذات المهارات العالية عددها في نمو مستمر وبالتالي تحظى بمعدلات أجور مرتفعة. 

تشجع الأجور الأعلى وتوافر فرص عمل أكثر الموظفين السعوديين على ترك أعمالهم والبحث عن فرص أفضل، وبالتالي تؤكد هذه المؤشرات على حتمية إعادة النظر في هيكل الأجور في المنشآت وتحسينه بجدية، فكما أشار تحليل لمعهد بروكينجز عن تبعات حركة الاستقالات العالمية؛ اضطرت الشركات في الولايات المتحدة  التي تعمل في صناعات تتمتع بأعلى معدلات الاستقالة، مثل الفنادق والمطاعم إلى التجاوب مع مغادرة موظفيها من خلال رفع الأجور بشكل حاد، بلغت هذه الزيادة في عام 2021 ثلاثة أضعاف الزيادة السنوية المعتادة في محاولة لإعادة بناء قوتها العاملة. 

تقديم مزايا مالية أفضل

المزايا المالية هي واحدة من أهم الإجراءات العلاجية التي قامت بها الشركات لتحسين مستويات التوظيف بها بعد أن تدهورت بفعل حركة الاستقالات العالمية، تأتي على رأس هذه المزايا الإجازات مدفوعة الأجر ورعاية الأطفال في الحالات الطارئة، بالإضافة إلى سداد المصاريف الدراسية، فمثلًا أطلقت شركة وول مارت برنامج Live Better U  وخصصت لتمويله مليار دولار، بحيث يدفع 100% من تكلفة التعليم الجامعي والكتب لموظفي الشركة خلال خمس سنوات.

تشجيع التوازن بين العمل والحياة

أصبح تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية طموحًا مهمًا للعديد من موظفي جيل الألفية وما بعدها، هذا الجيل الذي أتاحت له الجائحة إعادة التفكير في حياته المهنية، وظروف عمله وأهدافه الحياتية، فازدادت رغبته في التحرر من القيود القاسية للوظيفة والسعي للحصول على مرونة أكبر في مواعيد الدوام، بالإضافة إلى حرية العمل من المنزل أو المكتب، لذلك على المنشآت أن تضيف سياسات جديدة إلى أنظمتها مثل العمل المرن والعمل عن بعد وزيادة عدد الإجازات غير المدفوعة.

لن تنجح هذه السياسات في تحقيق هدفها بدون التدقيق في المديرين الحاليين وتقييم أساليبهم، لتضمن المنشأة كفائتهم في تقديم الدعم المستمر للموظفين، وحمايتهم من التعرض للاحتراق الوظيفي وتشجيعهم على تحقيق التوازن بين ضرورات العمل والحياة الشخصية.

ختامًا، لا تعني الحيوية التي يتمتع بها سوق العمل السعودي حتمية شعور المنشآت بالخطر من أن يطالها تأثير حركة الاستقالات العالمية، بل على العكس، تحمل هذه الحيوية فرصًا حقيقية للمنشآت لتقليل معدل دوران الموظفين، وجذب الكفاءات وكسب ولاء الموظفين، طالما وضعت رؤية مستقبلية تستجيب لاحتياجات الموظفين المتغيرة، وتمنحهم المرونة الكافية في نظام العمل وتساعدهم على تطوير ذواتهم.

تقدِّم منصة بيزات حلولًا فعالة وجاهزة لمديري الموارد البشرية

تمكنك منصة بيزات من أتمتة إدارة الموارد البشرية ومسير الرواتب، من الترحيب بالموظفين وحتى احتساب نهاية الخدمة؛ وتقدم لموظفيك تجربة استثنائية بمعايير عالمية.

تقدِّم منصة بيزات حلولًا فعالة وجاهزة لمديري الموارد البشرية

تمكنك منصة بيزات من أتمتة إدارة الموارد البشرية ومسير الرواتب، من الترحيب بالموظفين وحتى احتساب نهاية الخدمة؛ وتقدم لموظفيك تجربة استثنائية بمعايير عالمية.

مع مطلع عام 2021 وبعد مرور عام على انتشار فيروس كورونا، ظهرت موجة عالمية من الاستقالات وصفها البعض بأنها حركة “الاستقالة العظمى The Great Resignation”، واختلف الخبراء في تفسيرها وتقدير مدى ديمومة تأثيرها خلال السنوات المقبلة. في هذا المقال نسلط الضوء على حركة الاستقالات العالمية وإلى أي مدى يمتد تأثيرها إلى السعودية، وما الذي يمكن للمنشآت السعودية أن تستعد به لمواجهة اتجاهًا من هذا النوع؟

ما هي حركة الاستقالات العالمية؟

حركة الاستقالات العالمية هي اتجاه اقتصادي يستقيل فيه الموظفون من وظائفهم برغبتهم الحرة وبشكل جماعي، بدأ صدى هذه  العبارة يتردد مع انتشار فيروس كورونا عام 2020 إذ لوحظ انخفاض ملحوظ في عدد استقالات الموظفين، وسط توقعات بمعاودة ارتفاعه بشكل أكبر من المعتاد بمجرد انتهاء الوباء. 

عزا الخبراء هذه الانخفاض إلى تمسك الموظفين بوظائفهم في أوقات الشعور بالخطر وضبابية المستقبل، وبالتالي بمجرد أن تتحسن ظروف مكافحة الوباء وينقشع الخوف، فإن الإقبال على الاستقالة سيكون كبيرًا نتيجة لتراكم أعداد الموظفين الذين أحجمهم القلق عن الاستقالة.

على الرغم من أن هذه التوقعات قد صدقت، واستقال أكثر من 47 مليون أمريكي من وظائفهم عام 2021 في خروج جماعي غير مسبوق، وانضم إلى الموجة بلدانًا أخرى في أوروبا، واستراليا وحتى اليابان، إلا أن النظر في السياق الإجمالي للاستقالات خلال السنوات الاثنتي عشر الماضية، يؤكد أن حركة الاستقالات العالمية ليست اضطرابًا قصير المدى مدفوع بالوباء، بل هي اتجاه طويل المدى ذو وتيرة منتظمة، كما يتبين من الصورة:

متوسط الاستقالة الشهري
المصدر مكتب إحصاءات العمل إعداد هارفارد بزنس ريفيو

يتضح من الأرقام ارتفاع معدل الاستقالات بنسبة 0.10% سنويًا منذ عام 2009، ولم يتباطأ هذا المعدل إلا في عام 2020 بسبب الوباء، ثم عاود التحرك بوتيرة أسرع بسبب عدد الموظفين الذين كان من الممكن أن يستقيلوا في 2020 لو لم تحدث الجائحة.

يتضح من هذه الأرقام أن حركة الاستقالات العالمية ليست حركة مؤقتة، بل هي اتجاه بدأ منذ أكثر من عقد من الزمن وسيستمر على الأرجح لسنوات قادمة.

ماذا عن الوضع في سوق العمل السعودي؟

معدلات دوران الموظفين في دول مجلس التعاون الخليجي في عام 2023
التقرير السنوي | جميع الحقوق محفوظة لبروكابيتا pro capitacom | 2024 2023

تتصدر السعودية قائمة معدل دوران الموظفين من بين دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 14.1% لعام 2023 وفقًا لتقرير شركة بروكابيتا، الذي عزا هذا التصدر إلى المبادرات والمشروعات العملاقة التي تحفز الكفاءات على البحث والانتقال إلى فرص جديدة أفضل. 

لا يمكن القول بأن سوق العمل السعودي هو جزء من حركة الاستقالات العالمية، إذ يرى البعض أنها لم طرق أبواب المملكة بعد، إلا أن القراءة العامة لأوضاع التوظيف في سوق العمل السعودي، يتبين منها المرونة الكبيرة للسوق وحركة التنقلات المستمرة للموظفين سواء في داخل السوق نفسه أو حتى إلى خارجه، يرجع ذلك إلى هذه الأسباب:

  • أكد التقرير أن توفر فرص عمل جديدة هو السبب الرئيسي وراء ترك الموظفين لوظائفهم، خاصة في ظل إقبال الكثير من الشباب السعودي على ريادة الأعمال، ودعم الحكومة لفكرة صنع بيئة عمل جذابة في القطاعين العام والخاص واستقطاب الشركات العالمية إلى المملكة.
  • المزايا الوظيفية جاءت كثاني سبب يبعث على ترك الوظائف، بحثًا عن فوائد أكثر جاذبية.
  • رأت 43.3% من الشركات السعودية أن التعويضات التنافسية التي تقدمها الأسواق المجاورة وعلى رأسها الإمارات، تمثل تحديًا لها لأنها تستنزف المواهب.
  • أتاحت مبادرة تحسين العلاقة التعاقدية – وما تبعها من إلغاء لنظام الكفيل – للموظفين غير السعوديين إمكانية تغيير أماكن عملهم.
  • اشتعال حرب استقطاب المواهب بسبب قوانين السعودة الجديدة، التي صنعت منافسة شرسة، دفعت بالكثير من الموظفين السعوديين إلى استكشاف قيمتهم السوقية الحقيقية والبحث عن فرص جديدة أفضل.

كيف تستعد المنشآت السعودية لمستقبل حركة الاستقالات العالمية؟

تعيش المنشآت السعودية في واحد من أسرع الاقتصادات تحولًا في العالم وفي أحد أكثر أسواق العمل ديناميكية، وبالتالي تحسبًا لأي تحدٍ يخص التوظيف واحتمال امتداد أثر حركة الاستقالات العالمية إلى داخل البلاد، يتعين على المنشآت العمل على تحسين بيئة العمل لديها بأكثر من طريقة، كما يلي:

تحسين هيكل الأجور 

تشير الأرقام إلى أن أجور الموظفين السعوديين آخذة في الارتفاع، خاصة الحاصلين على شهادات جامعية، إذ تزيد أجورهم بنسبة 6% مقارنة بغيرهم من الموظفين الحاصلين على الشهادة الثانوية التي تزيد أجورهم بنسبة 1%، كما أن الوظائف ذات المهارات العالية عددها في نمو مستمر وبالتالي تحظى بمعدلات أجور مرتفعة. 

تشجع الأجور الأعلى وتوافر فرص عمل أكثر الموظفين السعوديين على ترك أعمالهم والبحث عن فرص أفضل، وبالتالي تؤكد هذه المؤشرات على حتمية إعادة النظر في هيكل الأجور في المنشآت وتحسينه بجدية، فكما أشار تحليل لمعهد بروكينجز عن تبعات حركة الاستقالات العالمية؛ اضطرت الشركات في الولايات المتحدة  التي تعمل في صناعات تتمتع بأعلى معدلات الاستقالة، مثل الفنادق والمطاعم إلى التجاوب مع مغادرة موظفيها من خلال رفع الأجور بشكل حاد، بلغت هذه الزيادة في عام 2021 ثلاثة أضعاف الزيادة السنوية المعتادة في محاولة لإعادة بناء قوتها العاملة. 

تقديم مزايا مالية أفضل

المزايا المالية هي واحدة من أهم الإجراءات العلاجية التي قامت بها الشركات لتحسين مستويات التوظيف بها بعد أن تدهورت بفعل حركة الاستقالات العالمية، تأتي على رأس هذه المزايا الإجازات مدفوعة الأجر ورعاية الأطفال في الحالات الطارئة، بالإضافة إلى سداد المصاريف الدراسية، فمثلًا أطلقت شركة وول مارت برنامج Live Better U  وخصصت لتمويله مليار دولار، بحيث يدفع 100% من تكلفة التعليم الجامعي والكتب لموظفي الشركة خلال خمس سنوات.

تشجيع التوازن بين العمل والحياة

أصبح تحقيق التوازن بين العمل والحياة الشخصية طموحًا مهمًا للعديد من موظفي جيل الألفية وما بعدها، هذا الجيل الذي أتاحت له الجائحة إعادة التفكير في حياته المهنية، وظروف عمله وأهدافه الحياتية، فازدادت رغبته في التحرر من القيود القاسية للوظيفة والسعي للحصول على مرونة أكبر في مواعيد الدوام، بالإضافة إلى حرية العمل من المنزل أو المكتب، لذلك على المنشآت أن تضيف سياسات جديدة إلى أنظمتها مثل العمل المرن والعمل عن بعد وزيادة عدد الإجازات غير المدفوعة.

لن تنجح هذه السياسات في تحقيق هدفها بدون التدقيق في المديرين الحاليين وتقييم أساليبهم، لتضمن المنشأة كفائتهم في تقديم الدعم المستمر للموظفين، وحمايتهم من التعرض للاحتراق الوظيفي وتشجيعهم على تحقيق التوازن بين ضرورات العمل والحياة الشخصية.

ختامًا، لا تعني الحيوية التي يتمتع بها سوق العمل السعودي حتمية شعور المنشآت بالخطر من أن يطالها تأثير حركة الاستقالات العالمية، بل على العكس، تحمل هذه الحيوية فرصًا حقيقية للمنشآت لتقليل معدل دوران الموظفين، وجذب الكفاءات وكسب ولاء الموظفين، طالما وضعت رؤية مستقبلية تستجيب لاحتياجات الموظفين المتغيرة، وتمنحهم المرونة الكافية في نظام العمل وتساعدهم على تطوير ذواتهم.

بيزات منصة متكاملة لإدارة الموارد البشرية ومسير الرواتب في السعودية

تمكنك منصة بيزات من أتمتة إدارة الموارد البشرية ومسير الرواتب، من الترحيب بالموظفين وحتى احتساب نهاية الخدمة؛ وتقدم لموظفيك تجربة استثنائية بمعايير عالمية.

Abdelkarim Aridj
Abdelkarim Aridj

مقالات ذات صلة