تسريح الموظفين: التعريف، الأسباب، الفرق بينه وبين الفصل

تسريح الموظفين هو أحد المفاهيم الإدارية المرتبطة بإدارة الموارد البشرية في حالات التغيرات الاقتصادية أو التنظيمية، ويُستخدم لتقليل التكاليف التشغيلية وتحقيق كفاءة مؤسسية دون الإخلال بحقوق الموظفين. في هذا المقال نسلط الضوء على معنى التسريح، أسبابه الشائعة، والفرق بينه وبين الفصل من العمل، مع إبراز أهمية معرفة هذا المفهوم للمنشآت التي تسعى لتحسين بيئة العمل واستدامة الأداء. كما نؤكد على أهمية اتباع أفضل الممارسات والاستراتيجيات عند التعامل مع تسريح الموظفين لضمان تقليل الخسائر وتحسين نتائج المؤسسة.

ما هو تسريح الموظفين؟

يشير مصطلح تسريح الموظفين إلى عملية إنهاء العلاقة التعاقدية بين الشركة وعدد من العاملين، إما بشكل دائم أو مؤقت، لأسباب خارجة عن إرادة الموظفين أنفسهم. يتم اللجوء إلى هذا الإجراء غالبًا في حالات مثل انخفاض الطلب، أو إعادة الهيكلة، أو التحول التكنولوجي الذي يقلل الحاجة إلى بعض الوظائف.

تسريح الموظفين لا يعني بالضرورة أن الموظف ارتكب خطأ أو فشل في أداء مهامه، بل غالبًا ما يحدث بسبب أسباب اقتصادية أو تنظيمية وليست نتيجة لأداء الموظف. عند اتخاذ قرار التسريح، يجب أن تكون الأسباب واضحة وموثقة وداعمة بوثائق وأدلة لإثبات صحتها ومبررها. بحسب القرار الوزاري السعودي رقم 50945، يُعتبر التسريح الجماعي في حال تجاوز عدد المفصولين 1% من الموظفين أو أكثر من 10 موظفين خلال سنة، أيهما أكثر.

يمثل تسريح الموظفين مفهومًا مهمًا ضمن أنظمة إدارة شؤون الموظفين ويختلف جذريًا عن الفصل التأديبي الذي يترتب على مخالفات مباشرة من الموظف. ويجدر التنويه إلى أن الأمر في النهاية يعود إلى قرار رسمي أو توجيه يصدره صاحب العمل بشأن إنهاء علاقة العمل.

ما هي الأسباب الشائعة لتسريح الموظفين؟

تلجأ المؤسسات إلى تسريح الموظفين لأسباب متعددة، ترتبط غالبًا بمحاولة التكيّف مع المتغيرات أو خفض التكاليف التشغيلية. من أبرز هذه الأسباب:

• الأزمات الاقتصادية: انخفاض الإيرادات أو ارتفاع المصاريف قد يدفع الشركات إلى تقليل العمالة للحفاظ على الاستقرار المالي.
• إعادة الهيكلة: في حال دمج الأقسام أو تغيير نموذج العمل قد تُلغى وظائف معينة.
• التحول الرقمي والأتمتة: الاعتماد على الأنظمة الذكية يقلل الحاجة للوظائف اليدوية.
• الاندماج أو الاستحواذ: قد يؤدي تكرار الأدوار الوظيفية بعد الدمج إلى تقليص عدد العاملين.
• نقل مقر العمل: خاصة إذا كان النقل إلى منطقة جغرافية بعيدة يصعب على الموظفين الحاليين الوصول إليها.

يجب أن تسبق عملية تسريح الموظفين مرحلة تقييم دقيق لأداء الموظفين واحتياجات المؤسسة، لضمان اتخاذ قرارات مدروسة تتناسب مع أهداف الشركة.

فهم هذه الأسباب يساعد فرق الموارد البشرية على التخطيط المسبق، ووضع استراتيجيات التوظيف البديلة، وتحسين الاحتفاظ بالمواهب في حالات التحول. كما يجب على فرق الموارد البشرية أهمية تجنب التسريح غير المبرر من خلال دراسة البدائل المتاحة. إن عدم التخطيط الجيد أو عدم دراسة البدائل قد يؤدي إلى آثار سلبية على المؤسسة والموظفين.

الفرق بين تسريح الموظفين والفصل من العمل

رغم التشابه في النتيجة النهائية بين التسريح والفصل وهي انتهاء العلاقة التعاقدية، إلا أن الاختلاف بينهما جوهري من حيث الأسباب والإجراءات القانونية:

• التسريح: يتم لأسباب خارجة عن الموظف مثل التحديات الاقتصادية أو إعادة الهيكلة، وغالبًا ما يكون جماعيًا، ويُطلب من صاحب العمل تعويض الموظفين وتقديم إشعار مسبق.
• الفصل: ناتج عن خطأ أو تقصير في أداء الموظف، مثل الإهمال أو مخالفة أنظمة الشركة، وغالبًا ما يكون فرديًا، ويخضع لشروط المادة 80 من نظام العمل السعودي.

يعني هذا أن تسريح الموظف لا يُعد عيبًا وظيفيًا، بل قد يكون ضرورة إدارية، بينما الفصل نتيجة لسلوك وظيفي يستوجب العقوبة، مع وجود فرق في طريقة التعويض والإجراءات الإدارية. عند تسريحهم يجب اتباع معايير واضحة وذلك لضمان العدالة وتقليل الآثار السلبية النفسية والاجتماعية والاقتصادية على الموظفين.

فهم هذه الفروقات أمر أساسي عند استخدام أنظمة إدارة الموظفين أو حلول الموارد البشرية، ويساعد على بناء ثقافة عمل عادلة ومنصفة تحافظ على حقوق الطرفين وتقلل من النزاعات.

دور الموارد البشرية في عملية التسريح

تلعب إدارة الموارد البشرية دورًا محوريًا في نجاح عملية تسريح الموظفين داخل أي شركة. يجب على صاحب العمل التعاون الوثيق مع قسم الموارد البشرية لضمان تنفيذ عملية التسريح وفقًا للإجراءات القانونية والأنظمة المعتمدة. تبدأ العملية بدراسة دقيقة للأسباب التي تدفع الشركة إلى اتخاذ قرار التسريح، سواء كانت أسبابًا مالية أو تنظيمية أو نتيجة لتغيرات في سوق العمل.

من المهم أن يبحث قسم الموارد البشرية في جميع البدائل الممكنة قبل اللجوء إلى تسريح الموظفين، مثل إعادة توزيع المهام أو تقليل ساعات العمل أو تقديم برامج تدريبية لتطوير المهارات. كما يجب على الموارد البشرية أن تدير العملية باحترافية عالية، من خلال التواصل الشفاف مع الموظفين حول التحديات التي تواجهها الشركة، واقتراح حلول فعالة لتقليل أثر التسريح على الجميع.

إضافة إلى ذلك، يقع على عاتق الموارد البشرية مسؤولية التأكد من الالتزام بجميع الأحكام القانونية، وضمان صرف المستحقات المالية للموظفين المسرحين في الوقت المحدد. كما يجب وضع خطة اتصال واضحة لإبلاغ الموظفين بالإجراءات الرسمية، وتقديم الدعم اللازم لهم خلال هذه المرحلة الحساسة. إن إدارة هذه العملية بشكل مسؤول يساهم في الحفاظ على سمعة الشركة ويقلل من التأثيرات السلبية على بيئة العمل.

ما هي إجراءات تسريح الموظفين في السعودية

يتطلب تسريح الموظفين في السعودية التزامًا بعدد من الإجراءات القانونية التي تهدف إلى حماية حقوق العاملين وضمان الامتثال للأنظمة المعتمدة من وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية. أن الشركة تقوم باتباع سلسلة من الإجراءات القانونية لضمان حقوق جميع الأطراف. أول خطوة أساسية هي الإشعار المسبق للموظف، حيث تنص المادة 75 من نظام العمل السعودي على ضرورة إشعار العامل بمدة لا تقل عن 60 يومًا في حال كان أجره شهريًا، و30 يومًا إذا كان أجره غير شهري.

يجب على صاحب العمل تقديم مبررات واضحة ومكتوبة توضح أسباب التسريح، مثل ظروف مالية صعبة أو إعادة هيكلة. كما يجب إبلاغ الجهات المختصة، خاصة في حالات التسريح الجماعي، حيث يُلزم القرار الوزاري رقم 50945 المنشآت بإشعار مكتب العمل المختص قبل 60 يومًا على الأقل من تنفيذ القرار. بالإضافة إلى ذلك، يجب على صاحب العمل تقديم تعويضات عادلة للموظفين المسرحين وفقًا للأنظمة المعتمدة.

يشترط أيضًا منح الموظف المسرّح فرصة للاعتراض على القرار في حال اعتقد أنه تعسفي، وتتم مراجعة هذا الاعتراض من قبل الجهات القضائية المختصة التي تفصل في مدى مشروعية القرار ومدى التزام صاحب العمل بالإجراءات.

ما هي الحقوق والمستحقات المالية للموظف المسرّح

تتضمن حقوق الموظف المسرّح في السعودية مجموعة من المستحقات التي يجب صرفها فور انتهاء العلاقة التعاقدية. وتشمل هذه المستحقات الراتب المتأخر، وبدل الإجازات السنوية غير المستخدمة، إضافة إلى مكافأة نهاية الخدمة، التي يتم احتسابها وفقًا لسنوات الخدمة ونوع العقد (محدد المدة أو غير محدد المدة).

في حال لم يحصل الموظف على إشعار مسبق بالتسريح، يحق له الحصول على تعويض مالي بديل عن تلك المدة. كما يجب أن يتم صرف جميع هذه المستحقات في وقت زمني لا يتجاوز المدة المحددة في نظام العمل، والتي غالبًا لا تزيد عن أسبوعين من تاريخ انتهاء العلاقة الوظيفية.

كذلك، يلتزم صاحب العمل بإصدار شهادة خبرة رسمية للموظف توضح المسمى الوظيفي ومدّة الخدمة وطبيعة المهام التي شغلها، بالإضافة إلى إعادة كافة الوثائق والمستندات الخاصة بالموظف. من المهم أيضًا مساعدة الموظف المسرح في إيجاد مكان عمل جديد أو بيئة مناسبة لمهاراته لضمان استمرارية تطوره المهني.

ولا بد من مراعاة الآثار النفسية لعملية التسريح، حيث قد يعاني الموظف من القلق أو انخفاض الثقة بالنفس، لذا يجب تقديم الدعم النفسي للموظفين المتأثرين بهذه الإجراءات.

التحديات التي تواجه عملية تسريح الموظفين

تواجه عملية تسريح الموظفين العديد من التحديات التي قد تؤثر بشكل مباشر على الشركة وبيئة العمل. من أبرز هذه التحديات انخفاض الروح المعنوية للموظفين المتبقين، حيث يمكن أن يشعروا بعدم الأمان الوظيفي أو فقدان الثقة في الإدارة. كما قد يؤدي تسريح الموظفين إلى فقدان المواهب والمهارات الحيوية التي يصعب تعويضها، مما يؤثر على الأداء العام للشركة.

على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي، يمكن أن تترك عملية التسريح أثرًا سلبيًا على المجتمع المحلي، خاصة إذا كان عدد الموظفين المسرحين كبيرًا. كما قد تتأثر سمعة الشركة في سوق العمل، ويقل ولاء العملاء والموظفين الحاليين، مما يؤدي إلى تراجع الرغبة في التعامل مع الشركة أو الانضمام إليها مستقبلًا.

لذلك، يجب على صاحب العمل أن يتعامل مع هذه التحديات بشكل احترافي، من خلال التخطيط الدقيق للعملية، والتواصل باحترام وتقدير مع الموظفين المتأثرين. من المهم أيضًا توفير التوجيه والدعم العاطفي للموظفين خلال فترة الانتقال، والتفاوض بشفافية حول شروط إنهاء الخدمة. إن إدارة هذه التحديات بوعي ومهنية يساهم في تقليل الأضرار وتعزيز الثقة داخل المؤسسة.

النتائج الإيجابية المحتملة لعملية التسريح

رغم أن عملية تسريح الموظفين غالبًا ما ترتبط بتأثيرات سلبية، إلا أن هناك نتائج إيجابية محتملة إذا تمت إدارتها بشكل استراتيجي ومدروس. يمكن أن يؤدي تسريح الموظفين إلى تقليل التكاليف التشغيلية وتحسين الأداء المالي للشركة، خاصة في حالات الأزمات الاقتصادية أو عند الحاجة لإعادة هيكلة المؤسسة.

كما تتيح عملية التسريح فرصة لإعادة توزيع المهام وتحسين كفاءة العمل، مما يساعد على رفع مستوى المهارات والكفاءات لدى الموظفين المتبقين. في بعض الحالات، قد يؤدي ذلك إلى زيادة الثقة والولاء من قِبل الموظفين والعملاء، إذا شعروا بأن الشركة تتخذ قراراتها بشفافية وعدالة.

مع ذلك، يجب على صاحب العمل أن يدرك أن تسريح العاملين غالبًا ما يكون نتيجة لأخطاء في التخطيط أو الإدارة داخل المؤسسة. لذلك، من الضروري البحث في بدائل عملية التسريح قبل اتخاذ القرار النهائي، مثل تطوير مهارات الموظفين أو إعادة توزيعهم على أقسام أخرى. كما يجب بدء الحوار مع الموظفين حول التحديات التي تواجهها الشركة، واقتراح حلول فعالة لتجنب التسريح قدر الإمكان. وفي حال كان التسريح هو الخيار الوحيد، يجب التأكد من صرف جميع المستحقات المالية للموظفين المسرحين بشكل عادل وسريع، للحفاظ على الثقة والعدالة داخل بيئة العمل.

كيف تستعد المؤسسات لتقليل أثر التسريح

بما أن تسريح الموظفين قد يؤثر سلبًا على الروح المعنوية والثقافة التنظيمية، فإن المؤسسات الذكية تعتمد على عدد من السياسات للتخفيف من آثاره. من أبرز هذه السياسات تقديم برامج إعادة تأهيل الموظفين المسرّحين لمساعدتهم على إيجاد فرص جديدة، وتوفير دعم نفسي ومهني لمساعدتهم على الانتقال بسلاسة. كما أن دعم الموظفون المتبقين نفسيًا واجتماعيًا ضروري للحفاظ على بيئة عمل صحية بعد التسريح.

تعمل بعض الشركات أيضًا على تصميم خطط بديلة للتقليص، مثل خفض ساعات العمل أو تطبيق سياسة العمل المرن بدلًا من تسريح الموظفين، كوسيلة لتقليل التكاليف دون خسارة الكفاءات. ويجب على الإدارة مراقبة تكاليف إعادة الهيكلة بعناية لتجنب أعباء مالية مستقبلية قد تنتج عن سوء إدارة التكاليف.

كما يمكن للإدارة استخدام أدوات تخطيط القوى العاملة وتحليل الأداء لتحديد الموظفين الأكثر قابلية للاستبقاء والاحتفاظ، مما يعزز من اتخاذ قرارات أكثر وعيًا وعدالة. وبتطبيق أنظمة موارد بشرية ذكية، يمكن تتبع هذه الخطط ومراقبة تأثيرها على المدى البعيد، مما ينعكس على تحسين بيئة العمل وتقليل معدل دوران الموظفين.